بقلم: محمد ضياء أرمنازيلم أكن أعلم أنَّ العقلية القديمة للتعليم ما زالت موجودة في بعض المدارس في مناطقنا المحررة إلى الآن بطرقها القديمة التي يعتمد فيها المعلم على الضرب كوسيلة وحيدة، لمعاقبة الطالب المخالف أو المقصر.علمت صحيفة حبر عن بعض حالات الضرب التي تنتشر في بعض المدارس، فقامت الصحيفة بزيارة أربع عشرة مدرسة ابتدائية في عدة أحياء مختلفة من مدينة حلب المحررة، للتأكد من وجود مثل هذه الحلالات، وعن طريق زيارتنا لبعض الصفوف داخل تلك المدارس، وبمرافقة المديرة أحياناً أو معلم الصف أحياناً أخرى، وسؤال الطلاب عن الضرب تبين لنا أنَّ هناك ست مدارس يوجد فيها ضرب من أصل إحدى عشرة مدرسة، وتختلف طرق الضرب بحسب عقلية المدرِّس، وهناك من يضرب الطلاب عشر مرات بالعصا كعقوبة جماعية بسبب مشاغبة بعض الطلاب، وهناك من تشدُّ شعر طلابها، وأخرى تغرز رأس قلم السبورة برأس الطالب، وآخر يستخدم ضرب الكف على الوجه، وآخر يحبس الطالب في المرحاض دون ضوء! تقول دارين أرمنازي صف ثاني: “المعلمة تضربنا جميعنا بالعصا داخل الصف بسبب مشاغبة بعض الصبيان، مع أنَّ معظمنا لا يشاغب!” والتقينا أيضاً مع إحدى المديرات في إحدى المدارس الابتدائية فقالت:” لا يوجد عندنا عصا، لكنها للتأشير على السبورة فقط، ولا يوجد في مدرستي ضرب قط، لكن بعد مرافقتها لنا داخل صفوف مدرستها اكتشفت أنَّه يوجد ضرب، فتفاجأت وقالت: لا أعلم أنَّ الطلاب في مدرستي يضربون! كنت أتوقع أنَّ الضرب عندنا يكون في فترات متباعدة، لكن الآن بعد معرفتي بوجود الضرب في مدرستي، سوف أنبه المعلمات إلى هذا الأمر، وسوف تكون اللهجة صارمة هذه المرة مع جميع المعلمات التي تضرب طلابها”.لكن لماذا اختار بعض المعلمين الضرب فقط كطريقة لمعاقبة الطالب؟! ومن أين أتى هؤلاء المعلمون بهذه العادات السيئة؟! ولماذا لم يستخدموا الطرق الأخرى للعقاب كالمتبعة في المدارس الناجحة التي تحترم حقوق الطفل؟!لكن من منَّا يرضى أن يعاقب ابنه أو ابنته في المدرسة بمثل هذه الطرق المذكورة خصوصاً في هذا الوقت بالذات؟! ألا يكفي خوف الأطفال من قصف النظام المتواصل وهم في بيوتهم؟! ألا يكفي خطورة الطريق إلى المدرسة المحفوف بالمخاطر ليواجه خوفا من نوع آخر؟!من ناحية أخرى هناك مدارس لا يوجد فيها أي ضرب، فنلاحظ فيها أنَّ الطلاب مهذبون، وفيها انضباط أكثر، ونسبة العلامات مرتفعة أكثر، ونسبة النجاح أكبر.تقول حلا الهاشمي مديرة إحدى المدارس الناجحة التي لا يوجد فيها أي ضرب: “الطالب في مدرستنا يعتبر خطا أحمر، ويوجد عندنا مدونة سلوك لكل معلم يريد أن يتوظف عندنا، ويوقع فيها على عدم ضرب أي طالب في هذه المدرسة مهما كان السبب، ولا نقبل أن تجرح مشاعر أي طالب حتى بالكلمة غير المناسبة. وقمنا أيضاً بتفعيل موضوع القيم، فكل عشرة أيام نعطي الطلاب قيمة، عن التسامح مثلاً أو التعاون والإخلاص على سبيل المثال.”يقول محمد السيد معالج نفسي:”الضرب موجود في جميع مدارس الوطن العربي والعالم الثالث، وفي سوريا بالذات هو الأسلوب الشائع، وينتشر الضرب في تلك الدول لعدة أسباب، أولاً: أنَّ المدرس يدرس كما درس، وثانياً: عدم امتلاك الأدوات لأنَّه لا يعرف البديل عن الضرب، ويضاف إليه الضغط النفسي الذي يعيشه المعلم، فأي عقوبة بديلة عن الضرب تحتاج إلى طول بالٍ وتأنٍّ. أيضاً عدم جدوى الدورات التدريبية الكثيرة نسبياً، وفشل عملية بناء القدرات، بالرغم من المصاريف الكبيرة التي توضع لمثل هذه الدورات.أما التأثير السلبي للضرب على الطلاب فهو كبير جداً، أولاً: يسبب للطالب أزية جسدية، وثانياً: ينَّفر الطالب من التعلم ومن المدرسة ومن المعلم أيضاً، ثالثاً: يكسب الطفل سلوك الضرب لحل المشكلات، عن طريق نمازج عملية سلبية تقدم أمامه، وتفقر الطفل إلى المهارات لحل المشاكل، وتزيد من العنف بين الأطفال في المدرسة وخارجها. أما كيف نعالج هذه المشكلة، فهي تبدأ بإزالة الأسباب أولاً، وإيقاف الحرب، ثانياً، وتأهيل جميع المدرسين ثالثاً، وضبط عملية التدريب والتأهيل، وزيادة كفاءة المدرسين، وتزويدهم بمهارات إدارة الصف، والتربية الإيجابية، وتدريب الإدارات أيضاً. أما بالنسبة إلى طرق التعليم القديمة التي ورثناها عن أجدادنا كقول (العصى لمن عصا) أو (اللحم الك والعظم لنا) فهي غير صحيحة لأنهم لو كانوا مصيبون فيها لما وصلنا إلى الحالة التي وصلنا إليها اليوم”. هناك طرق كثيرة للعقوبة، وقد أثبتت فاعليتها في كثير من المدارس وفي مناطقنا المحررة أيضاً، كأن تقول المعلمة للطالب مثلاً: أنا زعلت منك، أو تهدده بإنقاص علاماته، أو تغيير مكان جلوسه، أو إبعاده إلى آخر مقعد في الصف، أو تحرمه من حصة الرياضة على سبيل، لكن لماذا ذهبنا بعيداً في العقوبة ولم نتكلم عن المكافأة التحفيزية، كما تفعل بعض المعلمات، كتسمية نجم للحصة، أو إعطاء المتفوق هدية بسيطة كصورة تلصق على دفتره، أو قصة يقرأها في المنزل ثم يعيدها، أو يرسم وجه فرح فوق اسمه على السبورة، أو يكتب اسمه في الشجرة المثمرة المرسومة في قاعة المدرسة، أو حتى التصفيق له كأضعف مثال للمكافأة التحفيزية.