أبو عبادة الحلبي
اجتمعت عصابة تمتهن السرقة ويتعاطى أفرادها المخدرات ويتاجرون بها، ويمارسون الرذيلة فيما بينهم، وقد اجتمعوا اليوم لدراسة أسباب إخفاقهم في عمليات السطو الأخيرة التي قاموا بها، وقد انضم إليهم عنصر جديد، هذا العنصر يمتاز عنهم بأنَّه مثقف وواسع الحيلة، ولذا فإنَّهم سيحاولون الاستفادة من ثقافته وخبرته في تطوير أسلوب سرقاتهم واحتيالهم.
اللص الأول: أهلاً وسهلاً بك يا أستاذ، لقد تشرفنا بحضورك وسنزداد شرفاً بانتسابك إلينا وبتوجيهاتك وإرشاداتك، فأنت ثروة وطنية لا تقّدر بثمن، هل يمكننا أن تعرفنا على نفسك؟
العنصر الجديد: اسمي المعلم حامد، مجاز جامعي، أحمل شهادة في الحقوق، التحقت بعدة دورات حزبية وعسكرية، وذلك لرفع مستواي الثقافي والعسكري، ولتعزيز قدراتي القتالية.
اللص الثاني: أنت يا أستاذ حامد مثقف ومتعلم، ونحن لا نعرف القراءة والكتابة، ولم نمسك قلماً طوال عمرنا، ما الذي جعلك تختار الانضمام إلينا؟
حامد: إنّ من واجب أهل العلم أن ينشروا العلم بين أهل الجهل.
اللص الثالث: هل جئت لتعلمنا القراءة والكتابة؟
حامد: لا… وإنَّما جئت لأطوركم وأنظمكم ولأجعل منكم قادة وأعضاء محترمين.
اللص الثالث: وكيف سنكون قادة، ونحن لا نحسن أيّ عملٍ سوى السرقة والسطو المسلح؟!
حامد: سندخل على حياتكم بعض التعديلات.
اللص الثاني: ما هي هذه التعديلات؟
حامد: الناس ينظرون إليكم بشيء من الاحتقار، سنبدل نظرتهم، سنجعلهم يحترمونكم، لأنَّكم ستكونون قادة لهم.
اللص الأول: كيف؟! لم أفهم!
حامد: سنحوّل اسم العصابة إلى اسم آخر.
اللص الأول: قل ما هو؟
حامد: حزب
اللص الأول: وما الفائدة من هذا التغيير؟
حامد: ستتبدل نظرة الناس نحوكم، وستتحول من نظرة ازدراء واحتقار إلى نظرة احترام
اللص الأول: والله هذا جيد.
حامد: وستتبدل حياتكم وتنقلب رأساً على عقب.
اللص الأول: وكيف؟
حامد: لم يعد رجال الأمن يلاحقونكم، وسيكونون مرافقين لكم من أجل حمايتكم الشخصية.
اللص الثاني: سنترك السرقة؟!
حامد: لا … لن نتركها، ولكن سنتخذ أسلوباً آخر.
اللص الجديد: اشرح لنا الأسلوب الجديد، لقد شوّقتنا إليه.
حامد: سأشرح لكم الأساليب الجديدة في وقتها، لا تستبقوا الأحداث.
اللص الأول: قلت لنا أنَّنا سنطلق على أنفسنا اسم حزب، مثل بقية الأحزاب في العالم التي نسمع عنها في التلفاز!
حامد: نعم، مثل تلك الأحزاب تماماً، إنَّهم بدؤوا خطواتهم الأولى مثلما نحن نبدؤوها اليوم.
اللص الثاني: هل كانوا لصوصاً مثلنا من قبل؟
حامد: وكانوا قطّاع طرق أيضاً، وقتلة، ومجرمين.
اللص الأول: مثلنا تماماً، ولكن ما هي التغييرات التي تنصحنا بها؟
حامد: إنّ كلمة سارق تبعث في نفسي القرف وتوحي للسامعين بالاستهجان والاشمئزاز.
اللص الثاني: وبماذا نستبدلها يا أستاذ؟ حتى نخلع عن أنفسنا الثوب القذر، ونستبدله بثوب ظاهره نظيفٌ؟!
حامد: نستبدل اسم سارق باسم رفيق.
اللص الثالث: ما أجمل اقتراحاتك يا أستاذ!
اللص الأول: الآن بدأت أفهم، ويمكنني أن ألخص لك ما فهمت: لقد تحولت العصابة إلى حزب، والسارق صار اسمه رفيقا.
اللص الثاني: وستتبدل نظرة الناس نحونا، وسينظرون إلينا باحترام.
اللص الثالث: وماذا سنطلق على السرقة يا سيدي؟
حامد: الأمر بسيط جداً، سنطلق عليها اسم جباية.
اللص الثالث: وماذا تعني كلمة جباية؟
حامد: المستحقات الضرائبية المترتبة على الأفراد للدولة
اللص الأول: هل سنسرقها منهم بعد أن نقتحم بيوتهم، ونخلع أبواب خزائنهم؟
حامد: سنهجر هذا الأسلوب، سنتخذ أسلوباً آخر حضارياً.
اللص الأول: اشرح لنا.
حامد: سنعين الرفيق ” حكمت” جابياً يجمع الأموال من المواطنين.
اللص الثاني: وهل سيدفعونها له من تلقاء أنفسهم؟
حامد: طبعاً، سنروّج الدعايات بأنَّنا سنقيم لهم مشاريع إنتاجية وترفيهية وصناعية.
اللص الأول: ومن يرفض الدفع؟
حامد: تلاحقه الجهات القضائية والأمنية، وتنزل به أقصى العقوبات حتى لا يجرؤ أحدٌ على الاعتراض من بعده.
اللص الثالث: وهل سنقيم لهم مشاريع حقيقية فعلاً؟
حامد: نقيم بعض المشاريع، ونتجاوز عن الأغلبية.
اللص الأول: سيكتشفون أنَّنا نكذب عليهم.
حامد: لكنَّهم لا يستطيعون الاعتراض علينا أو موجهتنا.
اللص الأول: لِمَ؟
حامد: لأنَّنا نملك القوة والسلطة
اللص الثاني: كنَّا من قبل نسرق، فأصبحنا اليوم نسرق ونكذب! لقد تطورنا فعلاً، ماذا نسمي هذا؟
حامد: السياسة
اللص الثاني: وماذا تعني كلمة السياسة؟
حامد: فن خداع الجماهير والشعوب
اللص الثالث: حقيقة لقد أكرمتنا بنصائح نافعة، وفضلك كبير علينا، وأنت تستحق أن تكون رئيساً لنا، أندعوك بسيادة الرئيس؟
حامد: لا.. سأختار لقباً آخر
اللص الثالث: ما هو؟
حامد: الأمين العام للحزب
اللص الأول: وماذا تختار اسماً لحزبنا؟
حامد: حزب التطوير والنهضة
اللص الأول: فعلاً لقد غيّرت أسلوب تفكيرنا، وطوّرت أساليب السرقة والسطو لدينا، وهذا صار واضحاً أمامنا
اللص الثاني: لقد تحدثنا طويلاً عن هذا الحزب وعن أعضائه وعن هيكله التنظيمي، ولكن متى سنبدأ بإنشائه؟
حامد: الآن، فهذا الاجتماع هو لتأسيسه وإنشائه، وسيكون تأسيسه منعطفاً تاريخياً في حياة البشرية.
اللص الثاني: بعد إعلاننا تأسيس الحزب، هل سنترك السرقة بعد اليوم؟
حامد: قطع الله لسانك، لا تعد إلى هذه الألفاظ بعد اليوم، وإلا فصلناك من الحزب لغبائك.
اللص الثاني: لن أعود إلى هذه الألفاظ، أعدك بذلك.
اللص الأول: سيطول بنا الأمر، وسيمر علينا بعض الوقت حتى نعتاد على الألفاظ الجديدة ومصطلحات الحزب.
اللص الثالث: هل يمكننا أن ندعو أحداً للانضمام إلى الحزب؟
حامد: ادعوا من شئتم سيكونون كالدمى نحركهم بأيدينا لتحقيق رغباتنا، وتنفيذ قراراتنا.
اللص الثالث: أليسوا أعضاءً مثلنا؟!
حامد: إنَّهم أعضاء لكنَّهم ليسوا مثلنا، فنحن المؤسسون والقادة وهم الأتباع، ولن ينالهم من الجباية شيءٌ.
اللص الثالث: وإذا اعترضوا علينا؟
حامد: نزج بهم في السجون بتهمة الخيانة العظمى، والتعامل مع العدو الإسرائيلي.
اللص الأول: إذاً الأمر بسيط.
(الجميع): هل يمكننا الانصراف؟
حامد: لا… قبل أن توقعوا على محضر الجلسة التأسيسية، وتؤدوا القسم على تخريب البنية التحتية للبلد والاستيلاء على ثرواته وأمواله وخيانته.
(الجميع): نقسم على تخريب البلد وسرقة ثرواته وأمواله وخيانته.
[يخرجون جميعاً وتسدل الستارة]