علي سندة |
إليكم الحديث الآتي الذي سمعته بشكل مباشر بين اثنين، يسأل أبو عبدو الذي يعمل في معمل نسيج قريبَه: “كيف حالك وصحتك إن شاء الله بخير؟ كيف حال الأهل والأولاد؟ يُجيبه صديقه أبو محمد الذي يعمل في منظمة مجتمع مدني: “والله الحمد لله على كل حال، أنا بخير والأهل والأولاد جميعًا.” يُكمل أبو عبدو ضمن سلسلته في الأسئلة الاطمئنانية ليصل إلى سؤاله الظاهر للوصول إلى غايته: “وكيف شغلك حاليًّا؟ وجدت عملاً آخر أم مازلت في عملك القديم مع المنظمة؟” “مازلت أعمل مع المنظمة والحمد لله ربك مفضل علينا” يختم أبو عبدو بقوله: “يعني لساتك شغال مع المنظمة نفسها؟! الله يبعدنا عن الحرام أحسن شيء ويوفقنا وإياكم إلى كل خير.” فماذا أراد أبا عبدو من سؤاله الأخير؟!
عادةً ما يبدأ الكلام بين شخصين سواء عبر الهاتف أو من خلال لقاء مباشر بسلسلة من الاستفسارات الاطمئنانية التي غدت لوازم كلامية لدى أي فئة مجتمعية على اختلاف ثقافتها وإيديولوجيتها، وشاهدنا في هذا المقال تلك الأسئلة الاستفسارية بين الأشخاص عند بدء أي حديث، وعلى وجه التحديد تلك الاستفسارات المتعلقة بالعمل التي تصل حدَّ الاستفسار عن الأجر وتقييمه، والمُستفسِر هنا عدة أنواع إليكم تفصيلها وربما ثمة أنواع أخرى.
المُستفسر المُحب: هو الذي يستفسر من باب الاطمئنان لا غير على أخ أو صديق له، سواء كان يعمل أم لا يعمل بغض النظر عن طبيعة عمله وعمل صديقه، وربما كان سؤاله لازمة كباقي الأسئلة.
المستفسر الحسود: وهو الذي يتخذ من التدرج بالأسئلة بابًا للوصول إلى السؤال عن العمل والتمهيد بإيجاد عمل مع صديقه أو قريبه رغم أنه يعمل، وإن لم يلمس أي استجابة يُوحي إليه أنه أناني لا يُريد الخير لغيره، أو يوحي إليه بوجود جانب الحرام عند الجهة التي يعمل معها وبالتالي ماله حرام!، تمامًا كالقصة التي وردت آنفًا، حيث قال أبو عبدو في ختام حديثه: “الله يبعدنا عن الحرام أحسن شيء” في سياق لا يمكن فهمه أو تفسيره وأخذه على الوجه العام، سوى أنه عنى قريبه وعمل المنظمات الذي رآه حرامًا بنظره.
المستفسر الحشري: وهذا يتدرج بالأسئلة أيضًا للوصول إلى العمل ومعرفة الأجر، ويكون على الشكل التالي: “إن شاء عبتشتغل؟ أي الحمد لله عبشتغل، يعني أمورك مستورة؟ أي الحمد لله، وهنا إما يُقدِّر له راتبه حتى يُجيبه كم يتقاضى، أو يسأله بشكل مباشر وهنا لا مفر من الإحراج والإجابة، وعند معرفة السائل الأجر يصبح مخه آلة حاسبة، فيحسب له أجره اليومي والشهري والسنوي ويقدر كم يصرف وكم يوفر.. ويقارنه بنفسه وبغيره.
إن الاستفسار والاطمئنان على عمل الآخر أمر نسبي بين الناس، فمنهم من يجد في الاستفسار أمرَ خير لتفقد الوضع الاقتصادي للآخر ربما لمساعدته ماليًا أو إيجاد عمل مناسب له، أو ربما هو لازمة من لوازم الأسئلة الأخرى عند الحوار ولا أبعاد ولا غايات فيه، وهذا الصنف قليل أهله.
ومنهم من يجد في الاستفسار عن العمل وطبيعته أمرًا خاصًا ومحرجًا، وثمة من لا يُجيب عن عمله وأجره ويتهرب بأساليب عدة وهذا من حقه، خاصة إذا كان السائل عاملاً والمسؤول أستاذًا أو مهندسًا.. أو حتى موظفًا لوجستيًا يعمل في منظمة مجتمع مدني أو غيرها، وذلك الحرج له أسباب عدة، منها التدخل بأمر خاص، وربما كيلا يُشعرَ المسؤولُ السائلَ بفارق الأجر سواء كان مرتفعًا أو منخفضًا، وربما مخافة الحسد..
فيا حبيبنا أبا عبدو ومن لفَّ لفّك، كل تلك الأسباب وغيرها تُوجب عدم الاستفسار عن العمل وأجره سواء بقصد أم بدون قصد، وليعرف كل إنسان حدَّه بالأسئلة فليس كل مسؤول يودُّ الإجابة.