تركت رواية “العملية هيبرون لدي انطباعاً مؤثراً لسببين: الأول أنَّ مؤلف الرواية إيريك جوردان هو رجل مخابرات أمريكي من الطراز الأول قضى جلَّ حياته في عالم الاستخبارات السري في منطقة الشرق الأوسط غارقاً في عمليات صناعة الأنظمة العربية والحفاظ عليها وتوجيهها لخدمة مصالح إسرائيل عن دراية أو عن جهل، والسبب الثاني أنَّ الرواية وعدد صفحاتها 370 تكاد تكون حقيقة ملتبسة بالخيال من النوع الذي رأينا نتائجه دون أن نرى بواطنه.
تجري الرواية كما يلي:
رئيس أمريكي من الحزب الجمهوري اسمه الرئيس دوجلاس يراوده شعور بأنَّ إسرائيل تغالي في طلباتها من الولايات المتحدة لدرجة تؤدي لتعريض المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط للخطر، ورغم أنَّه يتجاوب (بالأفعال) مع المطالب الإسرائيلية، إلا أنَّه في (النوايا) يحاول نوعاً من المقاومة. وهو على وشك أن يترك البيت الأبيض بانتهاء مدة رئاسته، لكنَّه غير مطمئن لأنَّ مرشح حزبه الطبيعي في الانتخابات القادمة، وهو نائب الرئيس (هيز)، يملك الكفاءة اللازمة لمقاومة طلبات إسرائيل في الأفعال أو في النوايا، ثم إنَّه يعرف أنَّ المرشح الديمقراطي في هذه الانتخابات القادمة وهو عضو الكونجرس (ويستليك) صديق حميم لإسرائيل ومستعد لتلبية كافة طلباتها مهما كان ضررها على المصالح الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط.
ويحار الرئيس (دوجلاس) كيف يتصرف؟ ثم يحزم رأيه على إقناع أحد زعماء الجمهوريين الكبار ممَّن يثق فيهم، ويعرف صدق ولائهم لوطنهم الأمريكي، وهو السناتور (جونسون)، حتى يدخل المعركة ساعياً للحصول على ترشيح نفسه، فيفوز بترشيح حزبه في مؤتمره القادم، ثم يخوض انتخابات الرئاسة عن الجمهوريين.
ومع أنَّ الرئيس(دوجلاس) مضطر في العلن إلى إظهار تأييده لترشيح نائبه الضعيف (هيز) فإنَّه من وراء الكواليس يدعو لـ(جونسون), وأكثر من ذلك فهو مستعد لإقناع (هيز) بأن يقبل دخول المعركة القادمة نائباً للرئيس مع (جونسون) أيضاً كما هو الآن معه هو (دوجلاس) وهو يظن أنَّ نائبه بضعف شخصيته مستعد للقبول، لأنَّ منصب نائب الرئيس في اليد خير من منصب الرئيس على الشجرة وعبر المحيط وعبر البحر وعلى الناحية الأخرى من الكرة الأرضية فإنَّ دائرة صنع القرار في تل أبيب يساورها قلق، وداعي القلق أنَّ رئيس وزراء إسرائيل واسمه في القصة (أهارون إيشيل) يشعر أنَّ إسرائيل تحتاج إلى ضمان أمريكي نهائي يوفر لها طول السنوات القادمة الحاسمة –وفيها التسوية الكاملة النهائية لأزمة الشرق الأوسط- ما لا تقدر عليه جماعات الضغط المؤيدة لها، وما هو أنفع من أغلبية صديقة من الشيوخ والنواب وما هو أقوى من صف طويل متعاطف من رؤساء تحرير الصحف ومديري الفضائيات وشركات السينما.
ووسط هذه الهواجس يجيء رئيس المخابرات الإسرائيلية (الموساد) بنيامين شتيرن إلى رئيس وزرائه بخطة جسورة لا تخطر على خيال، مؤداها أنَّ إسرائيل بمقدورها أن تضع أحد عملائها في المكتب البيضاوي للبيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، ويكون ذلك هو الضمان النهائي الذي لا ضمان بعده ولا ضمان فوقه، فهو كفيل بأن يحقق لها كلَّ ما تحلم به وأبعد وأوسع من الحلم أيضاً!
لكن رئيس الوزراء (إيشيل) خائف؛: لأنَّ العملية معقدة إلى درجة تصعب إدارتها وقد تستحيل سريتها –وإذا انكشف أمرها في الولايات المتحدة انتهى النفوذ الإسرائيلي كله بلمح البصر- لأنَّ الرأي العام الأمريكي سوف يرى بعينيه تصميم إسرائيل للسيطرة على قراره واللعب بمقدساته، واستغلال الديمقراطية الأمريكية ضد روح هذه الديمقراطية وضد الأمن القومي الأمريكي، وذلك وضع لا يجدي معه رتق أو ترقيع كما حدث عندما انكشف أمر الجاسوس الامريكي (بولارد) الذي كان يسرِّب إلى الموساد وثائق وأسرار المخابرات الأمريكية العسكرية والسياسية، ما اعتُبِر تهديداً للأمن القومي، وترتب عليه أنَّه لم يعد بمقدور أي رئيس أمريكي مهما كانت درجة انبهاره بإسرائيل أن يصدر عفواً عنه، وكان كلينتون آخر هؤلاء الرؤساء الأمريكيين الذين أرادوا، لكنَّهم فشلوا.
أخيراً وبعد تردد يقبل رئيس الوزراء (إيشيل) باقتراح مدير الموساد (بنيامين شتيرن)، فهو اقتراح ينطوي على مجازفة خطيرة، لكنَّه يستحق المغامرة مع أخذ كل الاحتياطات اللازمة وحتى غير اللازمة.
وهكذا يكلف تيرون وهو مدير مكتب الموساد في واشنطن بأن يكون مسؤولاً عن العملية هيبرون بالتنسيق المباشر مع الجنرال شتيرن مدير الموساد، كما أنَّ تيرون يحصل على صلاحية الاتصال المباشر برئيس الوزراء إيشيل على تلفونه الخاص وفي غرفة نومه إذا وجد داعياً يقتضي ذلك ليلاً أو نهاراً.
يتبع.. في العدد القادم