علي سندة |
مايزال الكثيرون يترقبون ظهورًا ثالثًا لرامي مخلوف؛ لينقبوا أكثر في خفايا الصراع القائم بين أفراد السلطة الحاكمة، رَغم إشباع الظهورين الماضيين تحليلًا ونقدًا وسخرية، حتى الحطب الذي كان مصفوفًا خلف (مخلوف) رُمِز إليه بكم المعلومات التي يستطيع إظهاراها وحرقها أمام الجميع على مبدأ (نحترق جميعًا أو اتركوا الحطب حطبًا ودعونا نتفاهم).
وحتى إن لم يظهر (مخلوف) مرة أخرى، وتم التفاهم وحل النزاع القائم مع (الدولة) أو مع (عائلة الأسد نفسه) فإن ما جرى بينهما لا يخرج عن كونه نتيجة طبيعية مردها إلى المشاركة السياسية القائمة على العنف السياسي في سورية منذ أكثر من نصف قرن، وللتوضيح أكثر، فإن المشاركة السياسية تعني: “مشاركة أعداد كبيرة من الأفراد والجماعات في الحياة السياسية داخل النسق السياسي للمجتمع” ولكي نفهم أس الصراع بين مخلوف والأسد الابن، نرجع إلى التاريخ لفهم طبيعة المشاركة السياسية في سورية، فهل الأسد الأب عندما استولى على السلطة جاء نتيجة مشاركة سياسية؟ الجواب البدهي لا، فبدل أن يأتي نتيجة مشاركة سياسية تشمل جميع طبقات المجتمع والمنظمات والهيئات، اقتصر على جانب واحد فقط هو (ظهر الدبابة العسكرية)، وألغى المشاركة السياسية وجعلها بيد الصفوة الحزبية الخاصة به، وحوَّل التخطيط والقرار السياسي الذي يجب أن يكون لمصالح الشعب والبلد، إلى مصالحه الخاصة وصفوته، وبالتالي صُودرت الحريات وصار شكل المشاركة السياسية مبلورًا ضمن ديمقراطية الدكتاتور بنسبة أصوات 99%، وبالتالي أصبحت الانتخابات شكلية تمثل غطاءً لشرعنة وجود الدكتاتور الأسد أمام العالم، وبالضرورة غُيِّبت المعارضة بالقوة من خلال القتل والسجن، ومن نجا هاجر من سورية فائزًا بروحه.
كل تلك الممارسات لا تخرج عن ظاهرة (العنف السياسي) القائم على إلحاق الضرر بالأشخاص والممتلكات باستخدام القوة والتهديد؛ للبقاء في الحكم وتحقيق أهداف سياسية، كالمقاومة والممانعة مع إسرائيل ومبدأ الاحتفاظ بحق الرد الذي أبدعه الأسد الأب واستمر عليه الابن، وتحقيق أهداف اجتماعية، كزرع الطائفية بين السوريين في كل مفاصل الدولة وأجهزتها وتوليد العنف المجتمعي واللعب بورقة الطائفية كلما دعا الأمر لذلك، وتحقيق أهداف اقتصادية خاصة، وهذه الأخيرة الحديث عنها له شجون لدى كل سوري، ولتبسيط الأمر حسبنا القول: إن كل من في الدائرة المحيطة بالأسد وسلطته القائمة على العنف السياسي سرق ونهب ما استطاع، فإن بقي الأسد راضيًا عنه استمر بالنهب، وإن غضب عن أدائه لتضارب مصالح ولم يرتدع أزاله من الوجود أو استطاع الهرب بما نهب، والأسماء في هذا الباب كثيرة، فضلًا عن ممارستهم القتل والإجرام: (عبد الحليم خدام وأولاده، مصطفى طلاس وأولاده، مخلوف وأولاده، أسماء الأخرس وأقاربها، رفعت الأسد وأولاده، جميل الأسد وأولاده، حكمت الشهابي وأولاده، والقائمة تطول..).
إن ممارسة السياسية بالعنف، يحتم على السلطة الحاكمة التخلي عن كل شيء بما في ذلك (الشعب) لأجل الحفاظ على موقع السلطة وخلق توازنات دولية تدعم ذلك، كقول رامي مخلوف بداية الثورة: “إن أمن سورية من أمن إسرائيل”، وكفعل بشار الأسد حاليًا من قتل وتدمير وبيع سورية لروسيا وإيران.
والحقيقة إن ممارسة السلطة للعنف يعني أن العنف قادم إليها بغض النظر عن أطرافه سواء كان شعبيًا مع السلطة أم سلطويًا خالصًا، بدءًا من استلام الأسد الأب للسطلة بالقوة، إلى مظاهرات الدستور في السبعينات، إلى عنف الثمانينات الدموي، إلى العنف السلطوي بين حافظ الأسد وأخيه رفعت وما يماثله من العنف القائم بين مخلوف وبشار كنموذج حديث سبقه عدة نماذج، وانتهاء بالعنف الشعبي الكبير الذي هو ردة فعل على عنف رسمي سلطوي عمره أكثر من نصف قرن، تُوج بثورة 2011 التي دُمِّر فيها كل شيء في سورية وما يزال العنف مستمرًا.
إن ثورة الحرية ليست إلا محطة أخيرة للعنف السياسي في سورية، يتطلع من خلالها الشعب السوري إلى المشاركة السياسية القائمة على الحريات والديمقراطية وتبادل السلطة، بعيدًا عن العنف والمافيوية الأسدية.