جاد الغيث |
صباحًا مشرقًا كل ما فيه جميل، على زغردة عصفورين استيقظت (ريم) نشيطة كعادتها، العيد بعد يومين فقط، وهي سعيدة جدًا لأنها ستفرح بصحبة رفيقاتها في قريتهم الصغيرة، قرية لم تطالها مأساة النزوح والتهجير، (ريم) ابنة الأثني عشر عامًا تدرك تمامًا كم المعاناة والألم الذي يعيشه النازحون في الخيام، كانت تشعر بالقلق والخوف لو أنها يومًا ما اضطرت للنزوح عن قريتها مع أهلها، مساحة خوف صغيرة لم يخطر بباله أن تكبر أو تتحول إلى واقع مرير.
بهجة العيد أزاحت هذا الخوف بعيدًا، خاصة أن مساعدة (ريم) لوالدتها في تحضير كعك العيد يترك في قلبها سرورًا لا يُمحَى أثره سوف تذكره لاحقًا، وسيرسم على وجهها ابتسامة حلوة كبيرة.
رائحة خبز الكعك وأقراص العجوة تثير الشهية لصناعة المزيد من حلويات العيد، ولكن (ريم) وأمها خبزتا أكثر من عشر صواني ممتلئة بأشكال مختلفة للحلويات، فمن عادة الأم، وريم أيضًا، أن تهدي للجيران والصديقات من حلوى العيد، وبالعبارة التي تستخدمها الأم دائماً: (على روح زوجي الشهيد).
حين غادرت الأم مع ابنتها لشراء ملابس العيد من سوق القرية، كان الشارع الرئيس للقرية يغص بالناس، وأصوات تكبيرات العيد المنبعثة من المحلات تعلو على أصوات الباعة الذين فرشوا بضاعتهم على الأرض لجذب عيون المشترين، كافة أنواع الفواكه والحلوى والملابس كل ذلك مزين ببهجة أيام (الوقفة) التي تشيع سرورًا خفيًا في نفوس الكبار والصغار معًا.
أثواب من مختلف الألوان للفتيات، أحذية جديدة، حقائب وربطات شعر مزينة بلؤلؤ اصطناعي، كل ما يحلو للصغيرات شراؤه، وقعت (ريم) في حيرة مؤقتة ولكنها اختارت الفستان الزهري مع الحذاء الأبيض وحقيبة يد بيضاء أيضًا، وسوار مطلي بلون الذهب مع خاتم وربطات شعر تناسب لون شعرها الأشقر الغزير.
كل ما رويته لكم عاشته (ريم) في عيد العام الماضي، مرَّ عام كامل وجاء صباح اليوم الأول من عيد الأضحى لهذا العام، كان صوت تكبيرات العيد يصل مختلطًا بأصوات ساكني المخيمات العشوائية، الصوت بعيدًا يثير في النفس طربًا وحزنًا معًا!!
هذا العيد بدون حلوى، والفرن الكبير الذي كانت تملكه العائلة لخبز الكعك صار تحت الأنقاض، فقرية (ريم) الصغيرة الآمنة دمرت بيوتها بطائرات حربية روسية، ونزح أهلها إلى المخيمات، هذا ما كانت تخشاه الفتاة الشقراء التي زاد عمرها عامًا وزاد حبها لمن حولها وإصرارها أعوامًا، (ريم) الضحوكة دائمًا والمتفائلة المحبة للحياة كسرت مطمورتها الفخارية واشترت بالنقود سكاكر وبالونات ملونة وزعتها على أطفال الخيام المجاورة لخيمتها، وأمها القوية الصابرة التي تعمل مع منظمة إغاثية طبخت الفريكة مع صدر الدجاج وسكبت لجيرانها، العطاء والحب والتفاؤل سمة شخصية لدى العديد من البشر الذين تزيدهم مشقة الحياة عزيمة وصبرًا، ليس كل من يقبع في قلب الخيام يثير الشفقة أو الحزن أو التعاطف السلبي، الكثير من القصص المؤثرة والإيجابية تظهر في بيئة مأساوية، ممَّا يثبت أن جوهر الإنسان الصالح يزداد بريقًا في ظل الأيام السوداء، وأن الإناء ينضح بما فيه .
عيد بين الخيام مع سيدة صابرة مجتهدة تعمل لتعيش حياة أفضل، وفتاة تصنع من غصة الألم دائرة سعادة تتسع كلما انضمت الأيدي إليها؟
نعم، هذه هي (ريم) تمسك بأيدي صديقاتها يرقصنَ في اليوم الأول للعيد، يصنعنَ دائرة تكبر لحظة بعد أخرى، كلما سمع صوتهنَّ أحد فيسارع ليعبر عن فرحه معهم، بعض الصبيان أيضًا انضم للدائرة، وأهازيج العيد صار لها معنى أجمل وأكبر.
هذا هو عيد المخيمات أمل بالعودة إلى الديار وثقة عالية برحمة الغفار .