يتراوح صوت ترامب في السياسة الخارجية بين الصراخ المتعجرف والصلف الفارغ، فهو يعلن تفوقه من خلال تعاليه الخفي، بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران، الذي يُعرف رسميًّا بخطة العمل الشاملة، وبذلك يخاطر ترامب بدفع إيران إلى الدخول في سباق التسلح النووي البارد في الشرق الأوسط وتسليم السلطة إلى المتعنتين في طهران، وبدلًا من الاتفاق الذي أقرته الأمم المتحدة لا تعدو مزايا الانسحاب حدود وعود ترامب المنمقة، بل يوفر لإيران حريةً أكبر بالعمل ويخلصها من بعض القيود.
وأعلن ترامب الحرب على إيران في خطاب بعيد جدًا عن الحقيقة، وعلى النقيض من ادعاءاته فقد التزمت إيران بالاتفاق كما يشهد مفتشو الأسلحة الدوليون.
إيران ليست على وشك “الحصول على أخطر الأسلحة في العالم”، في الحقيقة يسمح الاتفاق لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم، لكنه لا يسمح لها باستخدام هذه العملية لإنتاج يورانيوم مخصب لدرجة استخدامه كسلاح، كما أنها لا تملك التقنية اللازمة لذلك، وبمقتضى الاتفاقية لا يمكن لإيران إعادة معالجة البلوتونيوم حتى، وهو بديل آخر لإنتاج متفجرات نووية. إن ادعاءات السيد ترامب لا تفاجئ أحدًا؛ فهو يعتمد على تأكيدات تعزز تحيزاته لكن لا أساس لها من الصحة.
ويقوم الاتفاق النووي على أساس السماح لإيران بالاستفادة من الاقتصاد العالمي مقابل خضوعها لنزع السلاح النووي، والآن يتعين على الولايات المتحدة أن تجد حلًا دائمًا للتهديد النووي الإيراني” ومع ذلك لا تُوجد خطة من البيت الأبيض.
إن غياب القيادة الأمريكية للعالم سيعني أن الأوروبيين، وبشكل أساسي القوى الرئيسة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، سيتعاونون على مضض مع روسيا والصين للمحافظة على الاتفاقية، وهذا سيوفر الحماية للمؤسسات والمصارف المعنية بالتجارة والمبادلات التجارية مع إيران، وبدون دعم واشنطن ربما يعني هذا اللجوء إلى المعاملات المالية بعملات غير الدولار تجنبًا للعقوبات الأمريكية.
وعلى غرار اتفاق المناخ في باريس، فقد عارض ترامب الاتفاق النووي ليس لأنه فَهم التفاصيل والعواقب لشروط اتفاق معقد، إنما لأنه، على نحو فاضح، أراد أن يشير إلى أن الرئيس السابق باراك أوباما لم يراعِ مصالح الولايات المتحدة في الصميم عندما أبرم الاتفاق، لكن عندما لا تكون الاتفاقيات الدولية بمنأى عن المماحكات الحزبية، فإن هذه الصفقات لن تكون أكثر من حلول مؤقتة، وسوف تَفهم كوريا الشمالية هذا الدرس جيدًا.
إن الولايات المتحدة هي صانعة النجاح الإيراني، فبعد غزوها المدمر للعراق تنامى النفوذ الإيراني على امتداد الهلال الشيعي شمال الشرق الأوسط، فعملاء إيران يغذّون الديكتاتورية الإجرامية لبشار الأسد في سورية، ونشأت ككتل سياسية قوية في لبنان والعراق. وتؤدي فورات السيد ترامب وفريقه ضد إيران إلى خلق رواية بطلها المواجهة الحتمية.
إن استثارة المتشددين الإيرانيين لاستئناف برامج الأسلحة هي إستراتيجية خطيرة للغاية، ومن المرجح أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران وربما النظام السوري، والمشكلة أن مثل هذا الصراع قد يجرُّ روسيا وإسرائيل وحتى قوى نووية أخرى غير معلنة، كالمنتقدين الأعلى صوتًا لإيران، فالمملكة العربية السعودية تدفع باتجاه الحق في تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة المواد النووية، فإن سمحت الولايات المتحدة بهذا فلا شك أن الإمارات العربية المتحدة ذات التاريخ الحافل بالتغاضي عن الأنشطة النووية غير المشروعة سترغب بالشيء ذاته.
إن السيد ترامب يفتح صندوق الشرور في الشرق الأوسط والعالم يجب أن يقنعه بإغلاقه.
رابط المقال الأصلي:
الكاتب: رئيس تحرير صحيفة الغارديان اللندنية
صحيفة الغارديان