خلق الله الإنسان وأودعه مجموعة من القيم الأخلاقية جعلها من فطرته، وما الأشياء التي تشوه الفطرة إلا مكتسبة ليست في أصل الخُلق، ولا يخلو مجتمع من مرض القيم وتشوهها بل فقدان بعضها وربما جُلها.
فالغش مثلا يكرس الرذيلة في الأوساط الاجتماعية، بأشكاله وألوانه واختلاف تسمياته، فقد طال المعاملات التجارية والبيع والشراء حتى المؤسسات، فضرب مبدأ تكافؤ الفرص، فهو بذلك مصدرا للظلم الاجتماعي.
يلجأ الغشاشون عادة إلى طرق غير مشروعة، معتمدين على الحيل والمكر والتزوير والتلاعب، لتحقيق أهدافهم الشخصية التي من خلالها يلحقون أضرارا مادية ومعنوية بالآخر وحاجاته، والأمثلة عن الغش كثيرة لدرجة وجوده في كل مفاصل الحياة، إذ يوجد في (الدراسة وتحصيل العلم، والزواج، وعمليات البيع والشراء، والصحة والطب، والطعام الشراب، إلخ) وحسبنا أن ندلل على خطورته من خلال غش الأدوية لأنه يصل إلى زهق الأرواح، فبيع دواء منتهي الصلاحية بتزوير تاريخ صحيح، يعود بالأضرار على المريض التي ربما تصل إلى التسمم والوفاة! وفي هذا الصدد نذكر أن الكثير من منتجات الأدوية في سورية لم تعد تعطي الفائدة المرجوة، وذلك بسبب تقليل المادة الفعالة للدواء من قبل المعامل المصنعة، فهنا يعتبر الغش أكثر خطورة لأنه متعلق بصحة الناس وحياتهم، فهل يدري الغشاشون ذلك أم لا يهمهم سوى الكسب ولو على حساب حياة الآخرين وصحتهم؟!
وسنكتفي بمثال آخر له انعكاساته الكارثية على المجتمع وتماسك وحدته المكونة له (الأسرة) وهو الغش في الزواج، من خلال إخفاء عيوب (خَلقية أو خُلقية..) في الفتاة أو الشاب، فيتم الزواج، إلا أنه بدل أن يتكلل بالسكينة والراحة والبناء يتكلل بالطلاق عندما ينكشف الغش!
الغشاش غالبا ما ينفق أوقاتا ثمينة في البحث عن أنجع الطرق والأساليب لتنفيذ فعله من أجل المساس بحقوق الغير، ولو أنه خصص هذا الوقت لتحقيق أهداف مشروعة تخدم غرضه وترضي الناس لكان خيرا له وللناس أجمعين.
إن تكرار الغش يجعل الغشاش مهووسا غير مستقر نفسيا، لا يهدأ ولا يرتاح له بال، تنمو في أعماقه هستيريا الشك، يمتلكه الخوف والرهبة من أي شخص ينظر إليه، يكاد لا يظهر ضمن مجموعات الناس شعورا منه أنه غير محبوب بينهم، أو لا يثقون به، أو يرفضون التعامل معه.
والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الغش وتوعد فاعله، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا. فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني” وفي رواية: من غشنا فليس منا، وفي رواية أخرى: ليس منا من غشنا. رواه مسلم
فكفى باللفظ النبوي “ليس منا” زاجراً عن الغش، ورادعا عن الولوج في حياضه الدنسة، وحاجزاً من الوقوع في مستنقعه الآسن.
الغش يتعارض مع الإسلام ومع والقيم الأخلاقية والإنسانية التي تنشدها كل المجتمعات، وهو آفة تهدم قيم الفضيلة لتحل الرذيلة مكانها وتنتشر، لذا يتحوب التوعية حول خطورته وعواقبه، واستغلال كل الطرق لأجل ذلك كتنظيم منتديات ولقاءات وبرامج توعوية تستهدف جميع الأوساط الاجتماعية والمهنية بشكل مباشر..