إدلب وعفرين وريف حلب الشمالي، ثلاثية تشكل ما تبقى من محرر في سورية، انحشر فيها خلاصة الثورة والثوار، مع اختلاف ظروف وتهديدات كل منطقة.
فإدلب لاتزال متمايزة عن أخواتها، نظرًا لطبيعة القوى الفصائلية الموجودة فيها، ولعدم تمكن الإدارة التركية من السيطرة عليها بعد، مقارنة بغير مناطق، أضف إلى ذلك أنها تحت تهديد عملية عسكرية للنظام بدأت نذرها بالتجمع في الأفق.
لذلك سنركز على منطقتي عفرين، وريف حلب الشمالي، اللتان حُررتا بعملية عسكرية تركية، مدعومة بفصائل من الجيش الحر.
فبعد أكثر من عام ونصف على تحرير الريف الشمالي، وحوالي ستة أشهر على تحرير عفرين، نجد أنفسنا مضطرين للتصريح بما كنَّا نلمح به سابقًا حرصًا على مصلحة الثورة، واليوم نصرح حرصًا على مصلحة الثورة أيضًا، لأن الأمر قد تجاوز حدَّه وبلغ مداه.
فشلت الفصائل الثورية بمعاونة تركيا أن تقدم بديلاً لإدارة المناطق التي حررتها، وللأسف لا نجانب الصواب لو قلنا بأننا نحن الثوار لم نقدم الحد الأدنى من الخدمات المجتمعية التي قدمتها تنظيمات إرهابية مارقة للمناطق التي تحتلها، حتى تنشئ لنفسها قاعدة شعبية فيها.
الثوار يتحملون مسؤولية فشل إدارة ملف المحرر بالدرجة الأولى والثانية والثالثة، أما في الدرجة الرابعة فيتحمل المسؤولية الحليف التركي.
شكلت هذه الفصائل عصب عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، وتعمقت العلاقات بين قياداتها وبين أقرانهم المسيئين من بعض الضباط والمسؤولين في الجانب التركي، حيث قام قادات هذه الفصائل المسيئة بتمرير الحصيلة الثقافية البعثية التي تربوا عليها، من رشوة ونفاق وغيرها من أخلاق إفسادية، إلى ضعاف النفوس من الجانب التركي الحليف، فأدى ذلك إلى ظهور شريحة من الضباط الأتراك في سورية تشبه ضباط نظام الأسد في لبنان كرستم غزالة وغازي كنعان، فالرشاوى والاستثمارات المشبوهة مع تأمين أجواء وأدوات الانحلال الأخلاقي للضباط الأتراك الفاسدين، كلها مقابل أن يقوم هؤلاء الضباط بتوفير الغطاء الشرعي الذي يحمي شريحة القيادات الفاسدة المحسوبة على الجيش الحر في الشمال، مع إطلاق يدهم في فعل ما يحلو لهم ولزمرتهم ضد المدنيين والفصائل الشريفة.
لذلك كان من الطبيعي أن نرى عمليات النهب والتعدي في عفرين ضد المدنيين الأكراد من قبل بعض أبناء الفصائل التي تملك علاقة متميزة مع الضباط الأتراك الفاسدين أو أصحاب التوجه القومي المتعصب، حيث وصلت هذه الجرائم من قبل فصائل بعينها حدَّ التعدي على الأعراض، كما أشارت بذلك تسريبات وأخبار تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فسَّر البعض غايتها بإجراء تغيير ديموغرافي في المنطقة يستهدف الأكراد القاطنين على الحدود التركية.
وصار المعتاد أن ترى قياديًّا ذو سمعة سيئة، من فصيل معروف بتجاوزاته، يشهر مسدسه في مشفى ضد امرأة، ثم تتوعد الجهات العسكرية المعنية بسجنه ومحاسبته، فتكتشف لاحقًا أن هذه التصريحات ما هي إلا إبر تخدير لامتصاص الغضب الشعبي.
فأي ثورة يتحدث عنها من يتعدى على أعراض المدنيين وممتلكاتهم ومن يصادر حرية الرأي والتعبير بذرائع قانونية تُعيد لنا حقبة النظام المجرم، ويسنّ القوانين لحماية مجرمين متورطين بعمليات خطف وترويج مخدرات وخمور من المحاسبة القانونية، ويستغل علاقاته مع أسوأ شريحة لدى الحليف التركي لضرب صورة تركيا المُشرقة.
لن نتمكن من الخروج من هذا المستنقع الذي سكنّاه، إلا بإعداد مشروع ثوري يصون مبادئ الثورة، وبتشكيل جسم حقيقي يحمل هذا المشروع، ويضرب بيد من حديد كل المارقين والمسيئين للثورة وحلفائها على السواء.