المحامية سماح حرح _ السويد
فلم المهاجرون أو (Utvandrarna) باللغة السويدية، رُشح لعدة جوائز عالمية في ذلك الوقت، و هو فلم من إنتاج ١٩٧١يتحدث عن البطلين كارل وكريستينا اللذين كانا يعيشان في القرن التاسع عشر في مقاطعة سمولاند في السويد، وقد كانت السويد تعانى من الفقر والضيق في المعيشة بسبب ضعف الموارد، فبعد أن أحب كارل كريستينا تزوجا ورزقا بأربعة من الأطفال، ضاقت الحياة أكثر في سمولاند، الزراعة وتربية المواشي باتت أصعب بسبب الطقس السيء، فعانوا من الفقر وصعوبة العيش، عندها قرر كارل وأخيه الصغير روبرت الهجرة إلى مينيسوتا في أمريكا بحثا عن حياة أفضل، لكن رفضت كريستينا المخاطرة بأطفالها في عرض البحر، وبعد أن فقدت أحد أطفالها بسبب الجوع وافقت زوجها على الهجرة، بدأت رحلة الهجرة، وكانت كريستينا قد أخبرت زوجها أنَّها تتوقع طفلا جديدا ليكون عبئا عليها أيضا خلال هذه الرحلة.
عانت العائلة التي بدأت الرحلة في عرض البحر من قلة الغذاء والنظافة، ممَّا سبب انتشار الأمراض على الباخرة، البعض خسروا أرواح أحبائهم وأطفالهم بسبب العدوى، لكن لم يكن لديهم خيار سوى متابعة الرحلة وإلقاء جثث أحبائهم في عرض البحر، وصلت العدوى إلى كريستينا، لكن من حسن حظها أنَّها استطاعت النجاة، نشأت الخلافات وتعارك البعض على متن تلك الباخرة الصغيرة التي عجَّت بالمهاجرين، فالنزعة للبقاء تُظهِر أبشع ما في النفس البشرية.
وصلوا أخيرا إلى أمريكا لتنتهي الرحلة البحرية وتبدأ الرحلة البرية، كانوا يمشون تارة بين الغابات والطين، وأخرى يركبون القطار، دَفن البعض أطفالهم بسبب المرض خلال الرحلة البرية، وعانوا من صعوبة التواصل بسبب اختلاف اللغة، فكانوا يستخدموا الإشارة وبعض الكلمات لتصل الفكرة للأمريكي، بعض السكان الأصليين عاملوا المهاجرين السويديين بلامبالاة، لكنَّ هناك آخرين أقبلوا على مساعدة المهاجرين السويديين، فقدموا لهم السكن والغذاء، بعض المهاجرين السويديين القدماء أنكروا أصولهم حتى لا يجبرون على مساعدة أبناء وطنهم.
وهكذا عانى المهاجرون وتناسوا بعض خلافاتهم خلال الرحلة، وتشاركوا طعامهم اتقاءً للجوع إلى أن وصلت عائلة كارل وكريستينا إلى هدفها المنشود إلى منطقة تدعى بحيرة شيكاغو في أمريكا، وبدأوا ببناء حياتهم على أرض جديدة.
في سوريا نمرُّ الآن بهذه المرحلة، لكنَّ أسباب هجرتنا أقوى بسبب الطمع للمحافظة على السلطة، هرب المدنيون من سوريا خوفا على حياتهم بعد أن بطش الأسد فيهم يمينا وشمالا، شرقا وغربا، فضاقت الحياة بالشبان ورفضوا الاشتراك في بحر الدم الحاصل، لا أحد يريد أن يقتل أخاه في الوطن خاصة بعد أن خُذل السوريون من العالم أجمع الذي أعلن عجزه عن وقف المجازر التي تحصل في سوريا.
آثر السوريون اللجوء إلى رحلة الموت بعد سوء المعيشة في الدول المجاورة، وعدم سهولة تسوية وضع السوري من الناحية القانونية في تلك البلدان، وبسبب صعوبة اللجوء القانوني لم يبقَ خيار إلا رحلة الموت عبر البحر لتكون أملا في الحياة الجديدة لدى الكثير بعد أن أصبح الحصول على الحقوق الإنسانية حلما لكل سوري خرج من بلده أو بقي فيها.
وما أن يطأ السوري اللاجئ البلد الذي ينشده للجوء، تبدأ معاناته مع الانتظار المرير لتسوية وضعه القانوني ولمِّ شمل عائلته، والانتظار يتراوح بين السنة والسنتين والثلاث بحسب قوة ملفه وقانون البلد الذي لجأ إليه ومزاجية من استلم ملفه.
ثم تبدأ رحلة الاستقرار بتعلم اللغة والبحث عن عمل، ويبقى اللاجئ في وضع غير مستقر في ظلِّ تغير القوانين المستمر تجاه اللاجئين، حيث يُستخدم اللاجئون ورقة لإرضاء المعارضة السياسية في تلك البلدان، فكلما أرادوا إرضاء المعارضة زادوا حدة القوانين للضغط والتضييق على اللاجئين.
استسلم البعض لليأس بعد ما تعرض لخيبات أمل عديدة، بينما يسعى البعض الآخر لإثبات ذواتهم مهما صعبت الظروف، متحلين بالصبر والإيمان، آخذين بقول لكل مجتهد نصيب.
يمرُّ السوريون بتلك المرحلة التي مرَّت بها السويد في فترة الهجرة، لكن لم يمر السويديون بتلك الصعوبة القانونية التي لم تكن بتلك الحدة في القرن التاسع عشر، حيث لم تكن الأمور السياسية بتلك الحدة التي يعيشها العالم الآن، ولم يُستعملوا كورقة ضغط سياسية كما يُستخدم السوريون اليوم، سوريا الآن تمرُّ بمرحلة الانحدار، ونطمح أن نراها يوما ما في مرحلة الانتعاش كما انتعشت السويد بعد ذلك.
هل رأيتم في قصة هذا الفلم مرآةً لبعض ما نمرُّ به الآن؟ أم أنَّ واقعنا أمَرُّ؟
بتُّ أفهم أكثر، وبات أملي أكبر، كلنا لاجئون مهاجرون، لا فرق بين عربي وأعجمي.