عندما تنبثق على مرأى المجتمع الدولي قضيَّة تستلزم التدخُّلَ فإنَّ النواحي الأخلاقية لها لا تحدد ماهية تدخله إزاءها، وإنَّ القوانينَ التي ألزمها نفسَه والتي تذخر بتعاريجها الضميرية، وزفراتها المشاعرية الحارة لا تعمل على تشكيل صورة طبق الأصل عند التطبيق في التعامل مع تلك القضيَّة.
أهل تلك القضيَّة المنادى بها لا ينبغي لهم التغني بالشق الأخلاقي لقضيتهم والاعتماد عليه في استجدائهم للرد الدولي، دون توليد مطارق متعددة الشكل والوظيفة يطرقون بها ضميرَ الدول المؤثرة، والتي فاقتْ في سباتها السنوي وقت لزوم تدخُّلِها سباتَ بعض الكائنات الحيَّة المشهورة.
لن يُفطمَ للقضيَّة أمل، حتَّى يتقنَ أبناؤها العمل؛ إتقاناً لمجالات الحياة العمليَّة يوصل أفرادَها إلى التمثيل الدولي، فهناكَ في تلك المحافل التميُّزيَّة تتكلم حناجر أقدر على الإسماع، وتلتقط أخبارَ القضيَّة آذان أقدر على الإصغاء.
الإنسان المتفوق في مجالِه يوجب على المهتمين بذلك المجال حولَ العالم أن يقدروه قدره، ويعطوا رأيه ومداخلاتِه وزنَها، فإنْ كان حاملاً لهمِّ قضيَّته عاملاً لأجلها وكانت قضيَّة حق؛ فستستقبل بسرعةٍ مُنافحين عنها إضافيين ضمن نطاق عمل ابنها المبدع ذلك حتَّى ولو كانوا أعاجم عنها. وكلما ازدادت شعبيَّة المجال المُبدِع فيه فإنَّ قضيَّته سوف تأخذ حجماً أبرز على الساحة الدوليَّة، لأن الحكومات ومهما كان ابتعادها عن مواطنيها فإنَّها لا تملك أن تهمل توجهاتهم نحو قضيَّة ما، وستغير من تعاطيها تجاهها إذا ما بدأتْ تتوسَّع أرضيُّتها الشعبية.
من هذا المنطلق يجب الاعتناء بالمجالات الإبداعيَّة الفرديَّة التي لها قاعدة شعبية عند أصحاب القضيَّة الذين يريدون الانتصار لها، ومن أشهر تلك المجالات وأكثرها شعبية وأشدها تأثيراً؛ الرياضة.
تستطيع الرياضة إيصالَ رسالة في وقتٍ وجيز بما لا تستطيع غيرها من الوسائل العاديَّة إيصالها بسنين، وهذا ليس غريب على حدثٍ هو الحديث الأول للناس في كلَّ طرفٍ من العالم، فسجدةٌ لمسلم ذا رسالةٍ في مباراة يتابعها الملايين من الناس يمكنها فعل الكثير، وتصريحٌ للاعبٍ معروف حول قضيَّة من القضايا سوف تأخذ باهتماماتِ محبي هذا اللاعب صوب قضيَّتهم، وتدفعُهم كلُّ كلمةٍ خرجتْ من فِيهِ إلى محركات البحث كيْ يقفوا على فهمها ومعالجةِ ما يَرومُه قائلها.
قد يتبادر إلى أذهاننا ابتداءً أن هؤلاء المهتمين الجدد ناس عاديون، وأيديهم لن تطالَ القضيَّة بنفع. في الحقيقة فإنَّ هذا السراب التشاؤمي يجب ألا يلبث أن يُكشطَ، لأننا لو أمعنا النظر لوجدنا أن هذه المناسبات الرياضية تجمع كل المستويات الاجتماعية من الناس، فهي يتابعها التعليميون والسياسيون والاقتصاديون والفنانون وغيرهم, ولكل واحد منهم من التأثير صوبَ القضيَّة الكثيرَ لو تحرك, إذ لربما لوحة فنية واحدة لفنان مشهور تقلب موازين القضيَّة رأساً على عقب, فضلاً عن نزعةِ اقتصاديٍّ يعين بماله أبناءَها, أو حميَّة سياسيٍّ لم تستنزف المناصب ضميره يدافع عنها, وهؤلاء لا تثكلهم الدنيا مهما استوحشت وقست.
ينبغي على أصحاب كل قضيَّة أن يعتنوا بأنفسهم ويطوروها كلٌّ في مجاله، لأنَّهم هم القضية الحقيقية، نعم فالإنسان هو محور جميع القضايا أياً كانَ نوعها وأهدافها، ولا حجَّة لديهم لو كانت الامكانيات في صنع المتميزين صعبة، فالعظماء لا تصنعهم إلا الصعوبات، وهناك أمثلة عديدة لمتألقينَ في الحياة العمليَّة قد اقتلعوا أمجادهم بأسنانهم من قبضة الأقدار، وصدَّروها فجراً وليداً لا تتوقَّف الأقلام عن مدحه ورصد بهائه.
فالهمَّة الهمَّة يا أصحاب القضايا العالية، لا تستحقروا من ضروب العلوم شيئاً، ولا تقللوا من مواهب أبنائكم أياً كان فنُّه، لأنكم لا تعرفون من أي حجرةٍ صمَّاء ينبجسُ معين الفرج.