أحمد وديع العبسي |
يبدو أن التعبير عن القلق هو فقط ما يجيده الأمناء المتعاقبون للأمم المتحدة، فالمنظمة الدولية التي تم انشاؤها بهدف حفظ الأمن والسلام الدوليين والحشد الدولي من أجل إيقاف الظلم في هذا العالم (افتراضاً) أصبحت مؤسسة أبحاث واستجابة إنسانية مشروطة بموافقة المجرمين في بعض الحالات، ولا يختلف عملها عن أي منظمة صغيرة سوى في حجم التداول المالي والحصة التشغيلية الكبيرة من التبرعات التي قد تصل لما يفوق 70% في كثير من الأحيان
هذا المال كله تنفقه المؤسسة الدولية فقط للتعبير عن القلق وعندما لا تكفيها الميزانية يضطر أمينها العام للتعبير عن القلق من جيبه الخاص فيظهر في إطلالات غير رسمية ويحكي عن قلقه للإعلام والعالم، وربما يعبر عن الأسف أيضاً في لفتة إنسانية فريدة
تحولت الأمم المتحدة لمؤسسة ارتزاق كبيرة لهدر المال العام أو لتبييض الأموال، وربما هي أكثر من يلعب أدواراً سلبية من أجل خلق حروب عبثية تستفيد منها شركات الأسلحة من جانب، والمؤسسة الدولية من جانب آخر عندما تبدأ تمثيل دورها الإنساني واستجرار الأموال الضخمة لكي (تساعد المنكوبين) وتبدأ حفلة توظيف وارتزاق جديدة.
ومع كل تعبير عن القلق هناك مجازر ترتكب في أماكن مختلفة من العالم، ولكن يبدو أن ذلك غير مهم، أو على الأقل ليس بأهمية البرتوكول الذي يظهر فيه الأمين العام بربطة عنق أمام خلفية سماوية اللون عليها خربشات تمثل دول العالم ليقول في بيان رسمي تُحشد له مئات الكاميرات والميزانيات الضخمة أنه يشعر بالقلق، وربما يتنهد من أجل صدق التعبير أو يمارس شهقات حزينة. أمّا الدم البشري فقد صار رخيصاً جداً عند تلك المنظمة ودولها البغيضة لدرجة أنه لا يحفز أي وسائل تعبير أخرى سوى القلق، إلا في حالات نادرة يمكن أن يستدعي شيئاً من قلق بالغ (قد أتم التاسعة من عمره) أو قلق عميق يذهب بعيداً في تلافيف أمعاء الأمم المتحدة وأمينها العام ليخرج بشكل مدوي ومؤثر، مع التذكير بحجم المأساة الكبير، ودعوة جميع الأطراف للتهدئة بضعة ساعات من أجل تهجير المدينين قسرياً من بيوتهم لكي يستأنف القصف والتدمير بسلام.
ربما هذا هو السلام عند المؤسسة الدولية المعنية بالقلق، الوصول بالجريمة للسلام، وتشريد الضحايا بسلام أيضاً، لتنتهي تلك الوظيفة الشاقة، التي ينتقى لها الأشخاص بعناية، حيث تقاسيم وجوههم هي تعبير دائم عن القلق، قلقون بالفطرة من أجل هذا العالم.