سلوى عبد الرحمن
وصل اللاجئون السوريون إلى الدول الأوربية المختلفة كليًا عن سوريا من حيث البيئة والثقافة والمعتقدات والعادات واللغة، ليبدؤوا فيها معاناة جديدة تخص مسألة الاندماج، أي الانخراط والتفاعل والانصهار مع السكان الأصليين والتطبع بعاداتهم بشكل إيجابي، وأولى خطوات الاندماج هي اللغة والثقافة، وقد جاء هذا الاندماج إما بشكل سلبي أو إيجابي انعكس على اللاجئين من ناحية، والأوربيين من الناحية الأخرى.
اللغة أمرٌ لا مفرَّ منه، وعلى الجميع عاجلاً أم آجلا تعلّمها نظرًا لضرورتها، إلا أنَّ الصعوبة تأتي في رحلة البحث عن فرصة عمل، إذ إنَّه يدفع بعملية الاندماج قدمًا نحو الأمام، وقد عملت بعض الجهات في دول اللجوء على ورشات تدريبية للتعرف على سوق العمل ومساعدة اللاجئين في الحصول على تدريب عملي وربما فرصة عمل.
تباينٌ واضحٌ بين قوانين العمل في الدول الأوربية وسوريا، الأمر الذي خلق صعوبات أثناء الحصول على موافقة لفرص التدريب والتطوير المهني، إضافة للمهارات والاختلافات الاجتماعية، ناهيك عن الدقة بمواعيد العمل والالتزام بالقوانين والضرائب.
“بلال ج” من مدينة إدلب لاجئ في ألمانيا بدأ يعمل بمهنته (النجارة) بعد أن تعلم اللغة وحصل على الإقامة الدائمة، يقول بلال : ” الراتب الذي أجنيه من مهنتي بالكاد يكفيني بسبب الضرائب المرتفعة المترتبة علي، مع العلم أنَّني غير متزوج، أحاول أن أجد عملًا بأجر أكبر لأوفي ديونًا في سوريا”.
انتقى بلال من المجتمع الأوروبي ما يناسب عاداته وتقاليده، فكان اندماجه بالمجتمع الألماني محدودًا، يخبرنا:” لا أجد مبررا أو مناسبة لأتحدث مع الجيران، فالأبنية مستقلة، والألمان جيدون في التعامل معنا، وعلاقتي معهم سطحية، فهم يمارسون الكثير من العادات التي لا تتناسب مع ديننا وأخلاقنا، كأكل لحوم الخنزير، ولعب القمار، وشرب الخمور، وممارسة طقوس الحب خارج نطاق الشرع”.
لا مجال للمقارنة بين المجتمع السوري والأوربي من كافة النواحي، إلا أنَّ حياة معظم السوريين تغيرت هناك بشكل جذري، وكثرت الخلافات العائلية بين الزوج وزوجته، حيث سجلت حالات طلاق كبيرة بين اللاجئين السوريين بنسبة 50 %، وكذلك ازداد الخلاف بين الآباء وأولادهم، خاصة المراهقين منهم في ظل القوانين التي تمنع تعنيف الأولاد من قبل آبائهم.
زوج (لينا) اللاجئة السورية من أريحا بريف إدلب نزحت مع عائلتها لألماني، بينما بقي زوجها في سوريا، يقول لحبر:” نزحت لينا مع أهلها خوفا على طفلينا من البراميل المنهمرة علينا بشكل يومي، فأنا مريض قلب ولا أستطيع ركوب البلم، أقامت (لينا) علاقات اجتماعية مع الجيران واستطاعت أن تؤمن عمل ريثما ألحق بها، مضى عامان على غيابهم ولا بوادر لِلمِّ الشمل”.
(أحمد) لاجئ سوري آخر في الدنمارك انشق عن الجيش منذ 2012 من مدينة إدلب، يعمل في أحد المحال التجارية، تقول والدته:” تغير ابني بشكل جذري ابتداء من حلاقة شعره و لباسه، وانتهاء بطريقة حديثه معنا، فأصبح يرتاد الملاهي الليلية ويشرب الخمر، أحد أصدقائه من بلدتنا أرسل إلي صورا له أزعجتني، أعلم أنَّ المغريات كثيرة، فهو في سن المراهقة حينما هاجر، لكن هذا الشيء لا يبرر له التورط والانزلاق في مفاسد الحياة، فقد تربى داخل أسرة محافظة وعليه التمسك بأخلاقنا وديننا .”
تختلف طريقة الاندماج بحسب الشخص وتربيته والعوامل المحيطة به، إلا أنَّ الكثير من السوريين أثبتوا للعالم بإرادتهم وذكائهم أنَّهم لازالوا قادرين على التفوق والإبداع رغم ما مرَّ بهم من مآسٍ وصعوبات في سوريا خلال الحرب، بل ونافسوا السكان الأصليين، فأحرزوا درجات عالية وشهادات تنقل للعالم صورة مشرقة عن الشعب السوري من أجل غد ومستقبل أفضل.
يخشى الكثير من السوريين البقاء في الدول الأوربية، فلا شيء بنظرهم يوازي الوطن وحضارة الغرب، وتقدمهم لا تعنيهم بشيء بالأخص حينما يتجول الوطن في الذاكرة، ذاك السوري لو كان يشعر بالأمان لما اجتاح أوروبا وعرَّض نفسه للمخاطر بغية الوصول للأمان والسلام المفقودين في وطنه، فهو الوحيد الذي يلمُّ شمل جميع السوريين.
ربما تميز الشعب السوري هو الذي دفع الدول الأوربية لاستقبالهم، فهم ثروة بشرية سواء أكانوا أطباء أم مهندسين، طلبة أم عمال وحرفيين و أصحاب مهن، كلهم مبدعون دون استثناء، وحالات الاندماج بطريقة سلبية قليلة نسبيا، وانقلاب أوضاع بعض الأشخاص بشكل سلبي في دول اللجوء لا يعني أبدا بأنَّ الجميع فاسدين، فلا خوف عليهم أينما حلوا ضيوفا، وكما قالت أم عبد العزيز:” السوري وين ما راح بيبيِن، ووين ما قعد بزيّن”.