لا تُبنى الأوطان بخوض الحروب، ولا يبنيها مُحدَثو السياسة كذلك، الأوطان تُبنى عندما يتفرغ الجميع للعمل، يتصورون شكلها المقبل، كيف ستسورها العدالة، وتملؤها الحرية، كيف تُحمى مؤسساتها من الفساد، وكيف تتم إدارتها، يبنيها الباحثون عن هموم الناس ومعاناتهم، الذين ينتمون إليهم ويخففون آلامهم ليمنحوهم الشعور بالنصر إن حدث، ويعملوا ليجدوا آلاف المتخصصين لملئ شواغر البلاد الخاوية والشروع في بنائها، كيلا يعاد تحريك عجلة الفساد من جديد، وتتولد العطالة من جديد.
أمّا أولئك الذين يتربصون منصباً أو لا يجيدون سوى تصويب الأسلحة نحو أهدافهم من محدثي السياسة والعسكرة والقوة والسلطة، جائعي الوصول، محبي الظهور، اللاهثون وراء أحلامهم بالتربع على أي عرش خرب تلتقطه الكاميرات وتحكي عن بطولاتهم، فهؤلاء لا يقدرون على بناء الدول، ولا يستطيعون تحقيق النصر، إنهم فقط بارعون في إعلان الخراب، وفي الجلوس في قمة مزابلهم فوق معاناة الناس وآلامهم.
لن نستطيع تحقيق أي نصر أو توليد عجلة للعبور والبناء مالم نتعاضد جميعاً في عمل واحد، يؤمن كلٌ منّا بدوره فيه، سواء كان جدافاً أم قبطاناً أم صانع شباك للصيادين، وإلا فإننا قد نحقق الغلبة، ولكننا لن نحقق النصر، لأن النصر لا يكتمل إلا بالبناء، ومن لم يعد للبناء خطته الكاملة، ليصنع الدولة المستقرة، فإنه ينتصر للفوضى لا للناس، ينتصر للخراب، للصوص، للاستبداد الجديد، وربما ينتصر لهزيمته التي ستعصف به عمّا قريب.
لن يحقق السياسيون ما يحلمون به إن كان كل همهم كيف يكونون أوفياء لظهورهم البطولي، أو مكاسبهم الآنية، حتى وإن وقف الحظ إلى جانبهم في إحدى جولاتهم. إن لم يتمكنوا من تحضير خطة محكمة لإدارة البلاد، فإن التغيير الذي يناضلون من أجله سيعصف بهم وسيقعون ضحايا متاهته التي لم يتحضروا لها، ستلعنهم أفواه الناس كما لعنت سواهم، ولنا فيما نملك من أرض نتخبط بها خير برهان على ذلك.
المدير العام | أحمد وديع العبسي