شفيق مصطفى |
إن بيعة العقبة في مكة التي كانت المرأة أحد أطرافها، هي العقد المؤسس للمجتمع الجديد في المدينة داخليًا (بين المسلمين)، وما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وثيقة كانت عقدًا لبناء الدولة الجديدة بين المسلمين وغيرهم من سكان المدينة.
كان أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وصوله المدينة، هو بناء المسجد.
لم تقتصر مهمة المسجد على إقامة الصلاة والشعائر فحسب، بل كان مركزًا لمجمل الفعاليات السياسية والعسكرية والمدنية والقضائية والاجتماعية والإعلامية التي كانت تجري في المدينةِ (الدولة).
فالشورى السياسية والاجتماعية كانت تُعقَد في المسجد، والتعليم واستقبال الوفود كان يتم فيه، وعقد لواء الحرب ومكان تطبيب الجرحى والمنبر الإعلامي للمسلمين كان في المسجد..
قراران خطيران يخصان المرأة!
“لا تمنعوا إماء الله مساجد الله” “لا تضربوا إماء الله”
كان أثر القرار الأول على نساء المدينة المكيّات منهنّ عظيمًا، فقد فتح لهنَّ ولنظيراتهنَّ من الأنصاريات بابًا واسعًا للاطلاع على الفعاليات المختلفة التي كانت تتم في المسجد، فالحضور إلى المسجد خمس مرات في اليوم، ومتابعة كل المستجدات التي يمرّ بها المجتمع زاد من الوعي العام عندهنَّ، كما أنه صقل شخصية أولئك النساء، وقد انعكس ذلك إيجابًا على قدرة الأمهات في تربية أبنائهنَّ بثقة ومهارة أعلى.
يوم خاص لتعليم النساء..
لم تكتفِ النساء بما يحصلنَ عليه من علم في المسجد، بل طلبنَ من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخصص لهنَّ يومًا خاصًا بهنَّ.
عن أبي سعيد الخدري: “قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهنَّ يومًا لقيهنَّ فيه”.
لقد كان خروج المرأة من بيتها بهذا الشكل المفاجئ أمرًا غير مألوف بالنسبة إلى الرجل المكي (المهاجر)، إذ إن هذا الخروج زاد، وبشكل كبير، احتكاك المهاجرات بالأنصاريات مع الأخذ بالحسبان ما للمرأة الأنصارية من خصوصية الخروج السابق والتنوع المجتمعي قبل الإسلام وتعلم المهاجرات منهنَّ طريقة جديدة في فهم الحياة وسماعهنَّ عن تعامل مختلف كان يتم في بيوت الأنصار لم تعتد عليه المهاجرات.. ظهر في كثير من بيوت المهاجرين خلافات أسرية بين الرجال والنساء لم تكن قبل الهجرة!
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “كنَّا، معشر قريش، نغلب النساء، فلما قدِمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمنَ من نسائهم، فتغضَّبتُ على امرأتي يومًا فإذا هي تراجعني، فقالت: ما تنكر من ذلك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهنَّ اليوم إلى الليل..”
فالغلبة في الرأي في بيوت المهاجرين كانت للرجال ولم يكن من المعتاد لديهم أن يكون ثمّة نقاش، فوصول لرأي مشترك في إدارة شؤون البيت، بل كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “كنا معشر قريش نغلب النساء”.
لقد كانت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم مختلفة في التعامل بين الزوجين، فنقاش يحصل وقد يتطور فتهجر زوجةُ النبيِّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام يومها إلى الليل!
أمر طبيعي فهذا بيت النبوة، يقول عليه الصلاة والسلام: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.
ولكنَّ عددًا من البيوت الأخرى للمهاجرين لم تكن كذلك، فجاء قرار النبي صلى الله عليه وسلم بمنع ضرب النساء عامًا لا يستثنِ أحدًا من النساء، ناشزًا كانت أم غير ناشز.
بقي الأمر على هذا الحال، النساء (مهاجرات وأنصاريات) يُربين أبناءهنَّ في البيوت ويخرجنَ للمسجد للتعلم والانخراط في الفضاء العام، المهاجرة منهنَّ متسلحة عند الجدل مع زوجها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم “لا تضربوا إماء الله” حتى وصل الغليان في بيوت المهاجرين ذروته على وضع لم يعتادوه في مكة، رجالًا من حيث إن نساءهم بدأت تناقشهم في إدارة شؤون البيت، ونساء من حيث إن بعضهن تجاوزت أحيانًا وهضمت حق بيتها وزوجها وأهملت بعض الواجبات!
فبدأت الشكاوى ترد إلى النبي صلى الله عليه وسلم …