لا فرق بين مدينة الأستانة وجنيف أبداً، فكلاهما أصبح المواطن السوري يعرفهما جيداً من خلال شاشاتِ التلفزة التي تتحدّث عن أهم المؤتمرات التي تُقام من أجل إنهاء الصراع في سورية.
ولكن كلّ تلك المؤتمرات دون جدوى، كجنيف 1 وجنيف 2 وجنيف 3، وتلتها مؤتمرات الأستانة واحد واثنين وثلاثة وأربعة، حتى بات البعض يشبه هذه المؤتمرات بسلسلة مسلسل باب الحارة من حيث طول السلسة وفشل التمثيل فيه، وعدم اتفاق الأطراف على أيّ رؤية سياسيّة تقود سورية إلى إيقاف الصراع.
ووصل التشبيه إلى حد تبديل الممثلين عن المعارضة؛ فكثير من وجوه المعارضة في جنيف واحد لم نرها في جنيف 3، كما حاولت بعض أطراف الدول الإقليميّة والعالميّة حصر الدول المشاركة والفاعلة في مؤتمر الأستانة 1 و2 و3.
وكذلك من منصة الرياض التي كانت تعتبر أول تمثيل للمعارضة المسلحة في مؤتمرٍ دولي، ودخول منصَّة القاهرة على الخط، وتبديل وانسحابات حتى وصل الأمر إلى اعتزال أحد أبرز وجوه الدبلوماسيّة في سورية د. جهاد مقدسي العمل السياسي.
وإذا انتقلنا إلى أوضاع المواطنين السوريين في بلدان اللجوء المجاورة (تركيا، لبنان، الأردن) نرى بأنّها تمرُّ بفترة حرجة جداً، فقد خرجت مظاهرات مناهضة لوجود السوريين في تركيا، وطُلب من الحكومة التركية طرد السوريين، وقد شارك في الحملة مشاهير من تركيا، ومن أبرز هذه الوجوه كانت الفنانة التركية ديميت أكلن ذات الشعبيّة الكبيرة في بلدها.
أما أوضاع السوريين في لبنان لم تكن أفضل حالاً من مثيلاتها في تركيا، فقد قام الجيش اللبناني باقتحام مخيم للاجئين في عرسال واعتقال المئات والقيام بإذلال اللاجئين هناك وقتل أحد الأطفال، ووصلت درجة تعذيب الجيش اللبناني للمعتقلين إلى درجة موت البعض منهم، وبعيداً عن أعمال الجيش اللبناني قام البعض بحرق مخيّمين للاجئين أيضاً، وفي الأردن قضية مقتل الطفل السوري بعد اغتصابه.
المضحك المبكي في كل هذه المشاهد أنَّه لا يوجد أي مؤسّسة ثوريّة تمثل المعارضة قامت بالدفاع عن السوريين في تركيا، بل على العكس من ذلك كانت بعض ردود الفعل من الحكومة التركية التي قالت: إنَّ نسبة السوريين أصحاب الأفعال السيئة لا تتجاوز 3% من إجمالي عدد السوريين في تركيا.
أليس من المخجل ألا يكون هناك أيّ ردة فعل رسمية من قبل المعارضة والدفاع عن مواطنيها في بلدان اللجوء؟ بل اكتفت بالصمت والمتابعة، وكلّنا نعلم بأنَّ النسبة الأكبر من اللاجئين هربوا من ميلشيات الأسد؛ أي أنَّ صوت اللاجئين هو المعارضة بكافة مؤسساتها “الائتلاف السوري المعارض، منصة القاهرة، منصة الرياض، الحكومة السورية المؤقتة”.
لا يوجد شعب كل أفراده مواطنون إيجابيون وفاعلون، فالذي يقول: إنَّ السوريين في تركيا يثيرون المشاكل ويتعدّون على الحرية، لماذا لم يرَ أفعال بعض أفراد الشعب التركي بحقِّ السوريين من نصبٍ لأجورهم ورفعِ أسعار المنازل والاستغلال لدرجة كبيرة، وآخر تلك الأعمال القذرة كانت اغتصاب امرأة وقتلها هي وطفلها الرضيع!
أين هو صوت المعارضة السورية في الدفاع عن مواطنيها، ودمج وإظهار الصورة الإيجابية للسوريين في بلدان اللجوء؟! ففي أيّ بلدٍ وُجد فيه السوريون كانوا متفوقين علمياً على أبناء البلد ذاته، كما في الإمارات والكويت والسعودية، وفي ألمانيا توجد الكثير من تلك الصور الإيجابيّة عن السوريين.
وفي النهاية أستطيع أن أقول: إنَّ من قتل الثورة السورية وقادها إلى هذه المرحلة هي المعارضة السورية، وهي أكبر حليف للأسد في حربه ضد شعبه، وهي من ساهمت في تهجير أهالي حمص وحلب ودمشق، وهي ذاتها من ساهمت بعودة أكثر من 500 شخصٍ من مهجّري حي الوعر في حمص إلى حضن الوطن، ويبدو أنَّها تسير على هذا النحو مع كافة المهجّرين.