إن الفجوة بين المؤسّسات الحكوميّة السياسية في المعارضة السورية وبعض الفصائل المسلحة أفرزت تفرقاً واضحاً وشرخاً يصعب ترميمه مع اتساعه سنة بعد سنة، من مؤتمر لآخر ومن معركة لأخرى تضيع أهداف الثورة وتتبعثر كل الأمنيات برحيل الأسد وسط مناداة المجتمع الدولي وعلى رأسه الدول التي تساند الثورة قبل التي تقف ضدها ببقاء الأسد لفترة انتقالية، والخاسر دوماً هو الشعب السوري سواء في السياسة التي لم تنصف الشعب السوري منذ انطلاق الثورة أو حتى في الجوانب العسكرية التي تبدو ضعيفةً فيِّ ظل الدعم الروسي والإيراني لنظام الأسد إضافة إلى ضيق مساحة المناطق المحررة وتشتت القوى التي تديرها.
تبدلٌ في المواقف تلاه سيلٌ من التصريحات المتناقضة تؤذن بالتقسيم والتدخل العسكري في المناطق المحررة بحجة إخراج هيئة تحرير الشام من إدلب وذلك بعملية عسكرية تقودها القوات العسكرية التركية وقوات الجيش السوري الحر لتشكيل قوة تحاكي في أهدافها ومضامينها درع الفرات الذي شُكل لإخراج تنظيم الدولة سابقاً من ريف حلب الشمالي والشرقي.
وفي الجانب السياسي فقد أكّد المتفاوضون في مؤتمر أستانا منذ أيام أنه سيتم اعتماد مناطقَ لخفض وإيقاف العملياتِ العسكرية في سوريا، وذلك للالتفات إلى الأمور السياسية ومحاولة الوصول إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف وعلى رأسها تركيا وروسيا، وعلى ما يبدو فإن هذا الحل العسكري سيرتكز على ثلاثة أمور جوهرية لا يُطبَّق الحلُّ بدون أيٍّ منها وأول هذه الأمور مراقبة حدود مناطق خفض التصعيد على أن تتولى المراقبة جيوش عسكرية من روسيا وتركيا مما سيستدعي دخول القوات التركية إلى المناطق المحررة أما الأمر الثاني فهو القضاء على هيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة وإخراجهما من المناطق المحررة وبالتالي فإن معركة قريبة ستحدث بين الجيش التركي وهيئة تحرير الشام التي تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي المحررة، والأمر الأخير هو مرحلة انتقالية وهنا تكمن نقطة الخلاف من سيكون رئيس سوريا في هذه الفترة هل ستقبل الحكومة السورية المؤقتة ببقاء الأسد رئيساً؟ أم أن الحكومة التي شكلتها المعارضة مؤخراً هي من ستدير المرحلة الانتقالية القادمة ويذكر أن هذه الحكومة توافقت عليها الفصائل العسكرية الداعمة لمبادرة “المجلس الإسلامي السوري” الاثنين 4 أيلول وتضمنت تكليف رئيس الحكومة السورية المؤقتة “جواد أبو حطب” وزيراً للدفاع بشكل مؤقت.
لا بدّ من الخلاص عبارةٌ قالها رياض حجاب في لقاءٍ مع قناة الجزيرة والخلاص برأيه هو الخلاص من التطرف الذي يخدم نظام الأسد مؤكداً دعمه القوات التركية في أيّ عملية عسكرية تهدف لإخراج فصيل هيئة تحرير الشام من إدلب والذي يعتدي على المدنيين بشكل يومي على حدّ تعبيره.
وأكد حجاب استعداد المدنيين وقواتٍ من الجيش الحر للانتشار في دير الزور لطرد تنظيم الدولة وبالمقابل لا يمكن أن يتعاون الجيش الحر مع القوى الانفصالية بل إن الواقعية الوحيدة التي يمكن التعامل معها في سوريا هي تطبيق القرارات الدولية ومحاكمة الأسد على جرائمه بحق السوريين.
تصريح حجاب الأخير دفع هيئة تحرير الشام إلى اعتبار أنه يحرض على قتال أبرز الأجسام الثورية وذلك في بيان لها وأضافت البيان: التحريض على القوى الثورية هو غاية ما يتمناه أعداء الثورة خاصة من جسم يدّعي وقوفه في صفها”. مؤكداً فشل المعارضة الخارجية على الصعيد الإنساني والسياسي.
وعلى الصعيد العسكري بدأ تنظيم “هيئة تحرير الشام” بعمل عسكري على محاور بلدة معدان، انطلاقاً من محيط قرية عطشان في ريف إدلب الجنوبي وتتزامن هذه المعركة مع تداول أنباء عن عملية عسكرية ضد الهيئة في إدلب عقب انتهاء الجولة السادسة من مؤتمر أستانا الذي نصَّ على ضمّ ريف حماة الشمالي مع إدلب ضمن اتفاق خفض التصعيد المبرم بين الضامنين روسيا وتركيا وبقة الدول المشاركة.
بالمقابل يرى بعض المدنيين أن توقيت المعركة خاطئ وسيعطي الفرصة للنظام لاستهداف المناطق المحررة من جديد وهذا ما حصل بالفعل حيث استهدف النظام مدارس ومؤسسات ومستشفيات ريف إدلب فيما يرى آخرون أن هذه المعركة هي الفرصة الأخيرة للسيطرة على مدينة حماه وضمها إلى مناطق سيطرة الثوار فيما يتوجس البعض من أن تحمل هذه المعركة نتائج معركة حلب فتكون وبالاً على المناطق المحررة وتفتح الطريق أمام النظام لكسب مناطق جغرافية جديدة خاصة مع تشرذم واضح بين الجهات العسكرية والسياسية للثورة السورية وهو الثغرة الأولى التي يجب تجاوزها والتخلص منها في محاولة لحشد الجهود عسكرياً وسياسياً لمواجهة نظام الأسد وأعوانه.