إيناس ديبة |
بين الوطن واللاوطنية .. وبين الانتماء الفطري والانتماء الحر .. بين الرياضة والدماء .. بين كأس العالم ومجازر ادهشت العالم .. وبين الكرة والبراميل، تتأرجح القلوب اليوم بين سوريا واستراليا في مشهد يثير استغراب وألم واندهاش الكثيرين.
ويعيد مشهد اليوم المشهد الذي عشناه سابقا في مباراة سورية وحليفتها السياسية ايران، والتي بخلت على منتخب الأسد بهدف كان يكفي من يطلق عليهم اسم منتخب (نسور قاسيون) للتأهل إلى كأس العالم دون أن يدخلوا في دوامة الملحق.
ينقسم المجتمع السوري كالعادة حول كل قضية حسب الاصطفاف التقليدي بين مؤيدين ومعارضين، أمّا في قضية المنتخب فقد انقسم الشارع المعارض الثوري بين من يرى فيه منتخباً وطنياً، ومن يرى فيه منتخباً يمثل النظام الأسدي المجرم، نظام البراميل والكيماوي والتعذيب حتى الموت.
وتحت شعارات فصل الرياضة عن السياسة يرى الكثيرون أن المنتخب هو منتخب لكل السوريين، وأن أي إنجاز يسجله المنتخب هو إنجاز يسجل لسوريا لعشرات السنين، ولن يقول التاريخ إن منتخب الأسد هو من حقق الإنجاز، إنما منتخب سوريا.
بينما يرى الآخرون أن العملية جزء من عملية إعادة تأهيل الأسد ونظامه وتلميع صورته إعلامياً وشعبياً، وأن استثمار الأسد لها يفقدها مفهومها الوطني، وأنه ما يجري هو تطبيع مع نظام الأسد من الأبواب الخلفية، وإعادة علاقة مع العلم الأحمر ذي النجمتين الذي قُتل تحت حجة حمايته مئات آلاف السوريين.
وطن يُقتل رياضيوه ويُعتقلون ويُهجّرون بسبب آرائهم التي لا تناسب الحاكم، هو وطن لا يمكن فصل الرياضة عن السياسة فيه.
وطن يغيّب بطل رياضة الفروسية أكثر من عشرين عاماً في الزنازين لأنه تفوق على نجل الرئيس في الفروسية، لا يمكن أن يكون أكثر من مزرعة يملكها الرئيس ويورثها لابنه.
وطن يخرج فيه الفتى المراهق ابن الرئيس بكلمة تشجيعية مصورة موجهة لمنتخب الوطن، هو وطن يبدأ من الآن مسرحية توريث الحكم للحفيد من بوابة الرياضة، .. التي يرى الكثيرون ألّا علاقة لها بالسياسة .. متناسين بحاراً من الدم، وأنّات الثكالى، وذهول الأطفال، ودموع الأمهات، وعجز الرجال، يتقاسم الكثير من السوريين اليوم عاطفة تشجيع منتخب يسمى منتخب الوطن، الوطن الذي تنحشر السياسة حتى في مائه وهوائه.