عبد الغني الأحمد
عادت الأصوات المنادية بإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا للظهور مجددا بعد أن شهدت نوعا من الرفض الدولي منذ أن طالبت بها أنقرة، فتركيا التي تمتلك أكبر حدود برية مشتركة مع سوريا لا تزال تطالب منذ بداية الثورة السورية بإنشاء منطقة عازلة لاستقبال اللاجئين، لأنَّها من أكثر الدول التي عجَّت باللاجئين السوريين، كما أنَّ من أغراض هذه المنطقة هو تأمين حدودها خاصة بعد أن تمركز كلٌّ من تنظيم الدولة الإسلامية، و حزب الاتحاد الديمقراطي في الحدود المحاذية لها، ممَّا هدد الأمن الداخلي لتركيا التي عانت من موجة تفجيرات كبيرة تناوب على تبنيها كلٌّ من تنظيم الدولة والحزب.
لكن الأمر اليوم بات أقرب إلى التطبيق، فتركيا في طريقها لإزالة كلِّ العوائق وكبح كلِّ الحجج الدولية التي كانت ترفض إقامة هذه المنطقة بذريعة وجود تنظيم الدولة وبعض الفصائل التي تصنف على أنَّها إرهابية وأبرزها جبهة النصرة، فقد تمكنت تركيا بالتعاون مع من تعتبرهم معارضة معتدلة من تحرير أجزاء واسعة من الشمال السوري من أيدي تنظيم الدولة، كما أنَّها أبعدت جبهة النصرة عن هذه المناطق، ولاتزال تحقق تقدما ملحوظا منذ بدأت بمعركة درع الفرات، حيث تطمح للسيطرة على مدينتي منبج والرقة.
القضية لم تعد تخص تركيا فقط، فالمواقف الدولية بخصوص هذه القضية بدأت تأخذ منحى آخر، إذ يبدو أنَّ الرئيس أردوغان قد تمكن من إقناع دول الخليج بضرورة إقامة هذه المنطقة في إطار جولته الخليجية الأخيرة التي أكَّد فيها على ضرورة الدعم الخليجي وخاصة السعودي في معركة الرقة، وأنَّ أكثر ما يؤكد الموقف الخليجي المؤيد للمنطقة العازلة هو اشتراك كلٍّ من قطر والسعودية في تمويل جيش الشمال الذي تشكَّل في العام المنصرم.
كما أنَّ الموقف الأميركي المتذبذب قد تغير، فترامب الذي كان ينتقد إدارة أوباما في التعامل مع تركيا قد أصبح رئيساً، وقد استهل بداية ولايته باتصال هاتفي أجراه مع الرئيس التركي بطلب منه مؤكداً أنَّ الوقت قد حان لإقامة منطقة عازلة واصفاً تركيا بالحليف الاستراتيجي بحسب بيان تناول محاور الاتصال من الرئاسة التركية، كما أنَّ ترامب أكَّد لقناة “أي بي سي” الأميركية أنَّه سينشئ مناطق آمنة في سوريا، ولأميركا هنا مصالح متعددة أهمها: إيقاف تدفق اللاجئين إليها وإلى أوروبا، وأيضاً للاقتراب مجددا من تركيا بغية سحب البساط من روسيا التي بلغ التنسيق بينها وبين تركيا أوجَه في الفترة الماضية.
وبالنسبة إلى الموقف الروسي الحيرة تغلب عليه، فموسكو لا تريد أن تدخل بصدام مع ترامب، كما أنَّها لا تريد أن تقع بإشكال مع أنقرة خاصة بعد التقارب الكبير الذي حصل مؤخراً بعد فترة قطيعة طويلة، وبحسب شبكة الجزيرة، فإنَّ الحكومة الروسية لم تصدر أي تعليق حتى الآن بشأن قرار ترامب.
إذا فالبيئة باتت وفقاً للمعطيات الدولية الحالية مواتية أكثر من أي وقت مضى لإقامة المنطقة العازلة، وتركيا التي أصبحت أقوى داخليا بعيد محاولة الانقلاب الفاشلة تريد أن تحسم دورها في الصراع السوري الذي اضطرت إلى خوض غماره وهي تعلم أنَّ فشلها في حماية حدودها قد يكلفها نقل المعركة إلى داخل تركيا، لذلك فإنَّها حتى وإن فشلت في مسعاها في الوقت الحالي فستستمر في مطالبتها به وعرضه في كلِّ الملفات الدولية التي تخصُّ الصراع السوري، ووضع كلِّ ثقلها في سبيل تحقيقه.