د. رغداء زيدان |
ملخص
تعد المواطنة ثمرة التفاعلات التي ينتجها مجتمع حضاري، كما تعد مكوناً أساسياً من مكونات الدولة بصيغتها المدنية المنظمة المعبرة عن انصهار وتفاعل جميع تكويناتها الداخلية. والمواطنة بهذا الوصف لم يحصل عليها السوريون، ولم تتحقق في سورية لأسباب كثيرة، ربما تعود بجذورها لبداية تشكيل الدولة السورية، غير أن الاستبداد الذي خيّم على البلاد منذ عقود، كان من نتائج سياساته تغييب مفهوم المواطنة وجعله مفهوماً ملتبساً وغير مفهوم بشكل صحيح لدى الجزء الأكبر من المجتمع السوري بشرائحه كافة، وكان لهذا الوضع تجلياته التي تأكدت من خلال عدة نقاط، يمكن أن نجملها بما يلي:
- غياب قيم المجتمع الجامعة، كالانتماء للوطن والمسؤولية واحترام القانون والتسامح والتعددية
- عدم احترام التعددية التي تميز المجتمع السوري، والإقصاء والتهميش الذي مارسته السلطة الاستبدادية بحق بعض مكونات الشعب السوري.
- التضييق على المجتمع المدني وقتل فعاليته، وتحويل السوريين إلى رعايا سلطة، بدل أن يكونوا مواطني دولة.
- فساد القضاء وهشاشة القانون وسهولة تجاوزه، فالاستبداد حوَّل القضاء في سورية لأداة للتغطية على جرائمه وتحكمه بالدولة ومفاصلها.
- عدم وجود نظام تربوي يرسخ قيم المواطنة، فقد تحولت المؤسسات التربوية (مجتمعية ودينية وتعليمة) في ظل الاستبداد لأداة تدجين وتبرير لسياسات الاستبداد ومديح للمستبد، وغيبت الحقوق والحريات.
- انتشار المحسوبيات والفساد وتغلغله في كل مفاصل الدولة، مع تراجع عام في الاقتصاد والتنمية، وبالتالي ازدياد حدة الفروق الاجتماعية والاقتصادية والتنموية بين مختلف المناطق السورية.
- غياب الرقابة والمساءلة للمسؤولين الرسميين، وعدم تمكن المواطن من محاسبة ومساءلة الذين تولوا مهاماً رسمية في الدولة، وغياب الشعور بالأمان، والتهديد المستمر بالاعتقال والتعذيب وفق قانون الطوارئ أو ما سمي فيما بعد بقانون مكافحة الإرهاب
- بروز المناطقية المقسِّمة للمجتمع السوري، وزيادة حدة الانقسام بين الريف والمدينة …
كل هذا وغيره، أدى إلى تغييب مفهوم المواطنة في سورية، والذي كانت له تداعيات كبيرة، ظهرت بصورة مؤلمة خلال سنوات الحرب التي مازالت مستمرة منذ تسع سنوات، وهو ما طرح تساؤلات مفصلية كان على السوريين الراغبين ببناء دولة المستقبل على أسس سليمة، الإجابة عنها، ومواجهتها مواجهة شجاعة …
ومع تركيزي على الموضوع الدستوري بصفتي عضوة في اللجنة المصغرة عن قائمة الثلث الثالث، أقدم رأيي فيما يمكن تقديمه من خلال الدستور لترسيخ المواطنة في سوريا من خلال الإجابة عن سؤال:
ما الذي يمكن أن يقدمه الدستور لترسيخ المواطنة في سورية؟
- يجب أن يتضمن الدستور مبدأ المواطنة باعتبارها مصدر الحقوق ومناط الواجبات بالنسبة لكل من يحمل جنسية الدولة دون تمييز، مع ضرورة وجود تعريف واضح للمواطنة في الدستور، لا يوكل مثلاً تنظيم موضوع الجنسية، التي هي ركن المواطنة، للقانون الذي يخضع في النهاية لاعتبارات السياسيين.
- يجب أن ينص الدستور على محاربة خطاب الكراهية والعنصرية والاستعلاء سواء في المناهج التعليمية أو في وسائل الإعلام المختلفة.
- يجب أن تكون النصوص الدستورية المتعلقة بالحريات المدنية كالتجمع السلمي والمسيرات وأساليب المعارضة السلمية واضحة وغير متسمة بالعموم الذي يستدعي إحالتها للقانون، كما في الدساتير السابقة، مع ضرورة وجود آليات ضامنة لها تمنع انتهاكها من قبل السلطة، كما حدث في سورية في العقود الماضية.
- أما الحقوق الاجتماعية كالتعليم والصحة والضمان الاجتماعي … فيجب ألا يقتصر الدستور على تأكيد مسؤولية الدولة بتأمينها للمواطن بمواد عامة، بل يجب التفصيل فيها بشكل يضمن تحقيقها للمواطن، مع عدم إحالة تلك الحقوق للقوانين التي تفرغها من مضمونها.
- من الضروري عدم الجمع بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية في يد شخص أو مؤسسة واحدة، تلافياً لتغييب دور المواطن، مع أهمية التأسيس الدستوري لتداول السلطة سلمياً.
- يجب أن يؤسس الدستور الجديد لآليات تمكن المواطن من مراقبة المسؤولين ومحاسبتهم، وذلك عبر تسهيل وصولهم للمعلومات، وإتاحة المجال أمامهم للتعبير عن آرائهم.
- ومن المهم جداً أن يتيح الدستور الجديد المجال واسعاً أمام عمل المجتمع المدني ومنظماته، ضمن الحدود القانونية المرعية، وبما يضمن مزيداً من التعاضد والتعاون والتكافل بين أفراد المجتمع.
…
لقراءة كامل المقال البحثي أو تحميله يرجى الضغط على الغلاف