يؤلم القلب ما نشاهده كل يوم من حصار ينهك الأرواح والأجساد، حتى قتل لدينا المثل المشهور “لا يموت أحدّ من الجوع” فصار الموت من الجوع في الغوطة وغيرها من المناطق المحاصرة هو أكثر أنواع الموت انتشاراً .يبرع النظام في أساليب الموت ليصدق بيت الشعر القائل “تعدت الأسباب والموت واحد” ، فالسوريين وحدهم قد خبروا جميع أسباب الموت وطرائقه، من الموت جوعاً إلى الموت برداً وقصفاً وشنقاً وتعذيباً وحرقاً وغرقاً و … مما يمكن أن يخطر على بال أي أحد .يبقى الموت ذلاً هو الطريقة التي لم تعجب السوريين على قلة قسوتها .تستطيع أن تموت ذليلاً وأنت على فراش وثير، و تستطيع ذلك وأنت تهادن جلادك، تستطيع الموت ذلاً لو لم تقم بهذه الثورة، كما تستطيع أن تحقق ذلك الموت المخزي عندما تتمنى لو أن هذه الثورة لم تكن، ولو أننا اكتفينا بعيشة الأنعام والبهائم نرتع في اسطبلات النظام ونأكل من البرسيم والشعير مما يجود به علينا أجيرٌ وضيع .هذه المعادلة لا يمكن أن تستقيم مع كل من كان فيه بقية من كرامة، على الرغم من قسوة الثمن الذي دفع في هذه الثورة، وعلى الرغم مما هو قادم، تبقى هي الخيار الذي يكفل لنا عزّة الموت إذا لم نستطع تحقيق عزّة الحياة، تبقى هي الخيار الذي نؤدي بها رسالتنا كبشرٍ على هذه الأرض، لنثبت للعالم بأننا أمّة حرية وكرامة، ولسنا أمّة من العبيد والرقيق .لقد كانت سوريا قبل الثورة بيتاً واسعاً للجريمة المحجوبة عن أعين الناس، وما فعلته الثورة أنها نزعت قناع المجرمين، فكيف يمكن أن يفكر عاقل بالعودة إلى أحضان من يغتصبه دون أن يدري، أم أن حال بعضهم كما قال الشاعر:من يَــهُن يسهل الهوان عليه ما للجــــراح بميــــت إيـــــلامُ المدير العام / أحمد وديع العبسي