تعدُّ الزراعة المصدر الاقتصادي الأهم في المناطق المحررة، حيث تعمل بها نسبة كبيرة من الأيادي العاملة نتيجة انتشار الأراضي الخصبة واعتماد الناس في كثير من الأحيان على السلع الغذائية المحلية بسبب رخصها وصعوبة استيرادها، فضلاً عن أن طبقة الفلاحين تشكل النسبة الأعلى من السكان.
وعندما يحرق النظام السوري الحقول الزراعية في ريف حماة وإدلب تمهيدًا لاستخدام سياسة التجويع علينا أن نعي المهمة الاقتصادية التي تؤديها الزراعة ومنتوجاتها ومردودها في المناطق المحررة وتأثير هذا الدور المهم على الحصار الاقتصادي الذي يحاول النظام السوري فرضه على المدنيين في كل أرض سورية خضراء، فالزراعة أدت دورًا كبيرًا في الحصار من خلال توفير الغذاء للمحاصرين.
يعاني الموسم الزراعي هذه السنة من مشكلات كثيرة تزيد معاناة الفلاحين وتقلل من أرباحهم التي تنعدم في كثير من الأحيان ومن أهم هذه المشكلات:
– تضرر بعض المزروعات من الأمطار والتقلبات الجوية.
– ارتفاع أسعار المواد الأولية اللازمة للزراعة كالسماد والبذار وأجور النقل والعمال.
– انخفاض أسعار بيع الإنتاج نتيجة صعوبة التصدير بعد اكتفاء المنطقة.
– قلة الدعم في المجال الزراعي واهتمام المنظمات بمجالات التنمية والإغاثة.
ومع انخفاض الأسعار وصعوبة الزراعة والتصدير رفعت حكومة النظام السوري سعر القمح من 140 ليرة إلى 175 ليرة (نحو 0.37 دولار) لكل كيلوغرام من القمح، وسعر الشعير من 110 ليرة إلى 130 ليرة، محاولة بذلك إغراء المزارعين، إذ لم تستلم العام الماضي سوى 350 ألف طن من أصل مليون طن، علماً أن النظام السوري يستورد القمح من روسيا بحسب مدير مؤسسة الحبوب في حكومة الأسد الذي قال: “خلال سنوات الحرب استوردنا ملايين أطنان القمح من روسيا، منها مليون ونصف المليون طن خلال العام الماضي وحده.” مشيراً إلى أنّ القمح المستورد أرخص من المنتج محلياً!
وفي المناطق المحررة أصدرت وزارة الاقتصاد التابعة لما تسمى حكومة الإنقاذ بياناً أعلنت فيه بدء شرائها لمحصول القمح للموسم الزراعي 2018 في الشمال السوري بعدد من المراكز التي تتوزع في حلب وإدلب، وحددت سعر القمح القاسي بـ 127 ليرة سورية والقمح الطري بـ 125 ليرة سورية، كما أقامت الحكومة مؤتمراً صحفياً وضحت فيه الخطوات التي يتم العمل بموجبها وآلية تحديد السعر المُعلن.
صحيفة حبر التقت المزارع (أبو عارف) من بلدة الجينة في ريف حلب الغربي للحديث عن المشكلات والصعوبات التي تواجه المزارع السوري في المناطق المحررة فقال: “معظم الأضرار التي لحقت بالمحاصيل الزراعية كانت بسبب هطول الأمطار بغير توقيتها، فتضررت محاصيل البطاطا والكمون ضرراً كبيراً، وتضرر القمح بدرجة أقل، ونعاني من مشكلة انخفاض أسعار المحاصيل وارتفاع المواد اللازمة لزراعتها، فالثوم يكلّف ما يقارب 100 ل.س لكننا نضطر لبيعه بين 20 و50 ل.س فقط، كما نعاني من صعوبة التصدير، فالمناطق المحررة بعد أن تأخذ كفايتها تنخفض الأسعار بشكل كبير، حاولنا التصدير إلى تركيا لكن الشروط لذلك صعبة ومكلفة جداً”
وعن الجهة التي سيسلم لها المزارعون المحاصيل الزراعية قال: “تسليم الحبوب سيكون للمؤسسات الزراعية في المناطق المحررة والأسعار شبه مقبولة، كما أن التصدير لمناطق النظام صعب جداً، فتكلفة الطريق كبيرة وقد يتم مصادرة المحصول أو سرقته أو اعتقال صاحبه من قبل قوات النظام”.
المنظمات المدنية ساعدت في تحسين الظروف الزراعية وتخفيف الضغط المادي على المواطن من خلال توفير مساعدات زراعية تقضي على الأمراض التي تصيب المحصول وتزيد من خصوبة الأرض وجودة المزروعات.
صحيفة حبر التقت الدكتور (سفيان درويش) مسؤول مشروع دعم الزراعة والثروة الحيوانية في منظمة سيام باري “المشروع الإيطالي” في منطقة الأتارب الذي قال: “منظمة سيام باري أو مشروع دعم الزراعة والثروة الحيوانية للشعب السوري بدأت العمل في ١/٩/٢٠١٥ وتقدم خدمات للمستفيدين كالأسمدة والمبيدات الزراعية والمرشات بنسبة دعم ٣٠ % من سعر رأس المال، وبلغ عدد المستفيدين بالنسبة إلى السماد والأعلاف حوالي عشرة آلاف مستفيد، في حين بلغت كمية الأسمدة الموزعة ٢٥٠٠ طن، أما في مجال الثروة الحيوانية فقد بلغ عدد المستفيدين حوالي خمسة آلاف”
وعن أعمال المكتب الأخرى يضيف د. سفيان: “عمل المكتب على إقامة ندوات تعريفية موزعة على عدة قرى بريف الأتارب، كما أقام المكتب العديد من الدورات التدريبية والدورات التثقيفية منها دورة إدارة الزيتون ومكافحة حشرة السونة ومرض صدأ القمح”.
المنظمات ساهمت في زيادة المحاصيل الزراعية وحمايتها من الأمراض التي تصيبها، مما زاد رغبة المزارعين على الإقبال إلى أرضهم وجني محاصيلهم بعدما ابتعد كثير منهم عن الزراعة نتيجة الخسارة المادية والتحقوا بوظائف أخرى تدرُّ ربحاً أكبر.