غسان دنو |
رَغم التطور الإلكتروني وانتشار أجهزة المنبه للوقت والاستيقاظ، وأهمها الموبايل، حافظت مهنة المُسحِّر أو (المسحراتي)على بريقها وشعبيتها في محافظة إدلب.
ولأن كل مهنة تحتاج أدوات لإتمامها، يحمل (أبو زكوان) طبله على كتفه الأيسر وعصا مناسبة في اليد الأخرى مرددًا عبارته الشهيرة “يا نايم وحد الدايم”
صحيفة حبر التقت (أبو زكوان) أحد أقدم المسحرين الممارسين للمهنة في إدلب، وحدثنا عن مهنته الفلكلورية قائلاً: ” أعمل مُسحرًا في المحافظة منذ عام 2010 تقريبًا، وأخذتها عن والدي أقدم المسحرين المستمرين في إدلب منذ 30 عامًا. “
ويضيف (أبو زكوان): “المحافظة فيها عدة ممارسين للمهنة غيري، وكل شخص لديه عدد محدد من الحارات يطوف فيها. “
وعن توقيت الخروج لإيقاظ الناس لأجل السحور، يوضح (أبو زكوان): ” أتناول طعام السحور وأخرج قرابة الساعة الثانية وربع لمدة ساعة ونصف، وأمر في 6 حارات بمنطقتي، مرددًا عبارة (يا نايم وحد الدايم…قوموا على السحور ..صلوا على الرسول).”
ويَعدُّ (أبو زكوان) موسم رمضان مصدر رزق سنوي غير رسمي، حيث يطرق الأبواب بوقفة العيد مطالبًا بعيدية المسحر، فإن أعطوه أخذ، وإن لم يفتحوا الباب مضى إلى بيت آخر، بحسب (أبو زكوان).
وعن أمر لا ينساه حدث معه خلال عمله ختم ضاحكًا: “ببداية عملي بالحارات التي أعمل بها لم يكن يدخلها مسحر، فمع أول ضربات الطبل هجم عليَّ أهل الحارة غاضبين من صوته، وهذا أمر لا يذهب من بالي في كل موسم”.
ومن خلال الجولة الليلة للصحيفة في شوارع إدلب، قابلنا الشاب (مصطفى) من بلدة ماردين يطرق على غطاء حافظة ماء بالعصا، و(أبو عبدو) يضرب على (بيدون) زيت سيارات لعدم امتلاكهم الطبل.
أما الحاج (محمد أحمد عضوم) مُسحِّر منطقة (أرض الحارة) إحدى أقدم المناطق في المحافظة، فكان يطرق على (بيدون) ماء كبير بعصا غليظة، ويرافقه (فادي كدرش) خلال جولته، وعن السبب قال:” لقد كسر طبلتي منذ سنتين ولم أتمكن من شراء غيرها.”
ولم تكن مهنة المُسحِّر كما نعرفها الآن، فقد نشأت عادة التنبيه على السحور منذ عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) والصحابة رضوان الله عليهم، حيث كان سيدنا بلال بن رباح يطوف في الشوارع وينادي بألفاظ الأذان للتنبيه على وقت السحور، ثم يؤذن سيدنا عمر بن كلثوم للإمساك وقت الفجر.
وفي الحديث الشريف عن عمر وعائشة رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بلالًا يُؤذِّن بليل، فكُلُوا واشرَبوا حتى يناديَ ابنُ أمِّ مكتوم” ثُمَّ قَالَ : “وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى ، لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ”
وأول بلاد عرفت تطور مهنة المُسحِّر مصر، ففي سنة 228 هجري كان (عنبسة ابن إسحاق) من أهل البصرة يمشي بمدينة الفسطاط بمصر ويؤذن للسحور في جامع عمرو بن العاص.
ثم أخذ المهمة عن (عنبسة) جند المدينة، فكانوا يطرقون الأبواب وقت السحور لإيقاظ المسلمين، وأخذ في ذلك عموم المسلمين.
إلى أن ظهرت الطبلة الصغيرة في مصر والنفار الذي يعزف على (مزمار طويل) في المغرب والعيدان (مزامير صغيرة) في بلاد الشام، إلى أن تطورت إلى الطبل الكبير المعروف الآن، ويقال: هناك من استخدم الطار بضربه عدة مرات، وجميعهم يرددون أناشيد وتهليلات خلال جولاتهم في وقت السحور.
وتبقى سنة التسحير التي تحولت في عصرنا إلى فلكور شعبي، عادةً سنوية لا بد منها، وينتظرها المسلمون في كل عام على اختلاف بلدانهم ومدنهم مهما حملت من أصوات قرع وضرب على طبلة أو ما شابه، بالإضافة إلى كونها مصدر رزق ثانوي لمن يعمل بها.