لا يمكننا أن ننشد التغيير ونحن مصرّون على استخدام الأدوات نفسها التي اعتدنا عليها في مجتمعاتنا، ولا طريقة العيش نفسها، ولا حتى طريقة الانتصار المعتادة عندما يتعلق الأمر بالنصر الذي نبحث عنه كثائرين من أجل الحرية والكرامة والعدالة والمحاسبة.
لم نفلح في تقديم أفكار مغايرة ولا جانب تطبيقي مختلف عمّا كان سائداً من قبل، لم يشعر الناس حقيقة بالفرق الذي هتفنا به، وإن كنّا، حتى لا نسرف في جلد الذات، نظريّاً أفضل من النظام، ولم تتح لنا فرصة جيدة لتقديم التغيير الذي نريده.
لكن ما ظهر في التصرفات الصغيرة جداً فضلًا عن الممارسات الكبرى لم يكن ليختلف أمام الناس عمّا اعتادوا عليه فبقينا نراوح الحاضنة التي نريد، ونخسرها شيئاً فشيئاً ليس لصالح النظام، بل لصالح ضياع الحلم والبحث عن الاستقرار والحل، وكأن لا شيء يستحق النضال الذي قمنا به.
إن ظهور التغيير على الأفراد هو أحد العلامات المميزة لما هو قادم، التعلق بالأهداف ومحبة الناس، والبذل في سبيل المجموع والقيم والوطن، وزيادة الوعي، وتجنب أي نوع من أنواع الإقصاء الفكري أو الإيديولوجي أو الفئوي، أو حتى ذلك القائم على تقسيم المجتمع إلى مؤيد ومعارض ورمادي وثائر ومنتظر، هي العلامات التي تبدأ تريح الناس من حولك، وتجعلهم يثقون بك من أجل مستقبل قادم، أمّا الاعتماد على لغة الحرب والنصر فقط، فستجعل الجميع يقاومون بعنف لأنهم سيخشونك بعد نصرك.
هذا الكلام لا يعني أن نتخلى عن أسباب القوة والسطوة تجاه الأعداء، وإنما يدعو لأن نمسكها بحكمة، وأن تكون موجهة تجاه الأعداء بشكل مباشر وليس تجاه الناس حتى من حاضنتهم، وأن نبتكر نوعاً من الخطاب يطمئن الجماهير كلها على المستقبل الذي سيكون بحوزتهم جميعاً وليس بحوزتنا فقط.
عندما يغرق الإنسان سيبحث عن النجاة، ولن يفكر بالوسائل ولا بحاله بعد نجاته، ولا بإمكانية أن يحوله من قام بسحبه إلى عبد طيلة حياته، ستظهر له الحياة في تلك اللحظة أثمن من أي شيء، علينا أن نحذر من إيصال الناس إلى هذه الحالة في حربنا التي نخوضها من أجل العدالة والحرية، لأن الأهداف ستضيع بالطريق ولأننا لسنا الطرف الأقوى على كل حال الذي يستطيع إقناع الناس بانتشالهم. لذلك يتوجب علينا أن نفكر بمصلحة كل الناس جنباً إلى جنب مع كفاحنا تجاه ما نؤمن به، لكي نحافظ عليهم قدر الإمكان خارج منطقة الغرق.
المدير العام | أحمد وديع العبسي