غسان الجمعة |
أعلن وزير الدفاع الأمريكي مؤخراً استكمال انسحاب قوات بلاده من شرق الفرات مع الاحتفاظ ب 600 جندي أمريكي في المناطق النفطية ضمن العملية التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش، حيث تحمي هذه القوات أكبر حقول النفط السورية لعدم تكرار سقوطها بيد داعش، الأمر الذي عبَّر عنه ترامب “بالاحتفاظ” منعاً لتمويل التنظيم الإرهابي.
وعقب هذه التصريحات، بين نفي وتأكيد، أعلنت وكالة (سانا) التابعة للنظام السوري أمس تعرض القوات الأمريكية في حقل العمر النفطي لهجوم من قبل مجهولين. وبغض النظر عن وقوع ذلك أو عدمه، تعتبر هذه الأنباء بمنزلة جس نبض لردة فعل ترامب بالاعتداء على محفظته السورية.
لا شك أن أطرافاً عديدة لديها مصلحة في نشر هذه الأنباء أو افتعالها على أرض الواقع وعلى رأسها روسيا والنظام السوري، فخفض تكاليف الانفاق العسكري وتحقيق الأرباح كما يرغب ترامب لن تمرره روسيا بهذه السهولة وخصوصاً أنها تعتبر نفسها الوصي الشرعي على الموارد الاقتصادية السورية، وملء سلتها بالفتات لم يعد مقبولاً لدى بوتين وشركاته العابرة الطامعة بمغانم الغاز والنفط والبدء باستهداف آبار النفط والقواعد الأمريكية أو التلميح، لذلك سيدفع بالولايات المتحدة للتفاهم مع روسيا حوله وهو نقطة التحول التي تنتظرها روسيا منذ إعلان تدخلها في سورية.
كما أن النظام السوري يعاني شحَّ الموارد النفطية والمالية ويريد، حسب زعمه، الحصول على ثرواته النفطية أي بمعنى آخر يرغب اقتسام الكعكة والدخول في بازارات سياسية واقتصادية من بوابة شرعيته تحت المظلة الروسية، و ليس ببعيد استهدافه الشهر الماضي لخطوط الإمدادات النفطية شمالي حلب.
ومن جهة أخرى ليس من المستبعد أيضاً أن يكون تنظيم قسد الإرهابي هو من دبر عملية الاستهداف أو نشر إشاعة ذلك لضمان الحفاظ على الوجود الأمريكي الذي يعتبر ملاذه الأخير للبقاء على الخريطة السورية، فاستهداف القواعد الأمريكية قد تكون حلقة جديدة من حلقات التنظيم الإرهابي تفرض على الأمريكيين التمسك بميليشيا تحمي وجودهم وخصوصاً أن شماعة داعش بدأت بالأفول بعد تمكن الولايات المتحدة من قتل متزعم التنظيم أبو بكر البغدادي.
إن الصراع على الطاقة في سورية هو من سيخط مستقبلها السياسي ويحدد مناطق النفوذ على خريطتها، وعندما تنهي الأطراف الممسكة بالملف السوري هذا الصراع يمكننا القول: إن بداية الحل السياسي بات ممكناً، وماعدا ذلك هو مراوغة لكسب الوقت، وغطاء لمصالح الدول بحجج لا تساوي في ميزانها قطرة نفط واحدة.
غير أن تحول النفط السوري من كونه غاية لمن في السلطة، كما في كان في عهد الأسد الأب، إلى وسيلة للوصول إليها ربما هو فرصة لرأس النظام السوري. فهل ينقله من أيدٍ أمينة إلى أخرى أكثر أمناً؟! هذا ما سيحدده الروس والأمريكيون مستقبلاً، وعندها يمكن أن تنتهي قصة البراميل مع السوريين بين نفطي يقتلنا بصمته وآخر متفجر يمزقنا بحقده.