غسان الجمعة |
لا تكاد تخمد بؤرة للصراع في منطقة الشرق الأوسط لتفتح أخرى جديدة لا تختلف عن سابقتها سوى بالجغرافيا من خلال اللاعبين والمحاور نفسها، بنسب تدخّل متفاوتة بين المتنافسين، حيث تلعب كل من روسيا و تركيا وايران و إسرائيل دورًا في الصراع و التنافس على خريطة الشرق الأوسط على مختلف الأصعدة.
وعلى هذه الرقعة تهيمن الولايات المتحدة بظلالها بسياسة جديدة لم تتبعها على مر العقود، فالرضا الأمريكي بالفوضى المستمرة واستمرار إشعال الحرائق هو من المحظورات في أغنى منطقة نفطية بالعالم، فلماذا تغيرت هذه السياسة والمبادئ في العقد الأخير؟
البداية من خروج الدب الروسي من كهف الحقبة السوفيتية إلى عهد بوتين وطموحه بأحلام القياصرة بالمياه الدافئة التي وجدها في سورية بتدخله في العام 2015 بعد رضا أمريكي ضمني، بل إن الأخيرة حصلت على النفط السوري وأغمضت عينيها عن ممارسات الروس السادية بحق الشعب السوري.
بل وضعت قواعد وخطوط عريضة للاعبين الآخرين لتمكِّن موسكو من مفصل القرار السوري، واتبعت سياسة براغماتية في تناول المسألة السورية سياسيًا وعسكريًا، وهو ما أسهم بصمود النظام السوري بشكل أو بآخر.
وبالانتقال إلى تركيا التي تلتزم بقواعد اللعبة الأمريكية أيضًا، فأنها تمكنت من القفز عبر بوابة المتوسط للرمال النفطية الحارة في ليبيا باتفاق شرعي تدعمه المواثيق الدولية، حيث تخوض هناك حربًا ضد المحور الإماراتي والنفوذ الروسي بثقل عسكري رسمي مع توارد أنباء عن قرب إرسال طائرات F16 إلى الغرب الليبي لدعم حكومة الوفاق الشرعية.
اقرأ أيضاً: هل ستتفق روسيا وأمريكا على تقاسم سورية؟ صحيفة تركية تجيب
المفارقة بين المشهد السوري والليبي هو وجود التنافس الروسي التركي في كلا البلدين، غير أن الأتراك لم يحصلوا على استثناءات الصراع في سورية كما حصلوا عليها في ليببا، و كذلك الروس لم يتمكنوا من الزج بقوتهم كما في سورية على الساحة الليبية.
هذه المعادلة لا تحكمها مزاجية الدول ورغبتها فقط بل هناك من يؤسس الإطار العام للأدوار على كل طاولة صراع، فالولايات المتحدة لا تريد الصدام مع روسيا بوتين وسمحت لها بالغوص بالمستنقع السوري بالتوازي مع السماح للاعبين آخرين بالتدخل أيضًا بالقدر الذي يتم فيه الحفاظ على حالة عدم الاستقرار الكلي لأي طرف مع استنزاف من تريد الولايات المتحدة استنزافه.
كذلك الأمر هو في ليبيا، فالولايات المتحدة لا تريد الدخول في دوامة الصدام مع أنقرة، وغضت الطرف عن دورها في ليبيا وأعطت الضوء الأخضر للإمارات و السعودية بإشعال الأرض الليبية بالمرتزقة، بل وسمحت لحفتر بإشراك (فاغنر) الروسية على الساحة الليبية بهدف احتواء صعود أنقرة و طموحاتها في هذه المرحلة.
اقرأ أيضاً: أمريكا تجتمع بقادة من المعارضة تحضيراً لعملية عسكرية..التفاصيل كاملة
من جانب آخر، فإن إيران نفسها لا تخرج من دائرة العداوة التي ترغب بها الولايات المتحدة، وبالمقابل الأخيرة تتجنب سحق إيران حاليًا بمحاربتها اقتصاديًا مع إعطائها فرصًا للتنفس والاستعراض بين الحين والآخر.
فالولايات المتحدة تحارب إيران في سورية وتحافظ على مستوى تفوق إسرائيلي بالاستهداف المستمر للإيرانيين، وفي الوقت نفسه تتقاسم معها سلطة الحكم في العراق، بل إن مرتزقة إيران مسلحين بعتاد أمريكي وتحت غطائها.
إلا أن سياسة الولايات المتحدة تقتضي الحفاظ على إيران نشطة بالحدود التي يمكن كبح جماحها بأي وقت، وهو مالا يمنع وجودها كمنافس إقليمي.
سياسة الاحتواء والاستنزاف هي العنوان العريض للسياسة الأمريكية في المنطقة، ولا يبدو أن إدارة ترامب الحالية تكتفي بشعار “ادفعوا لنا” بل ترفع شعارًا موازيًا لمن لا يدفع “ادفعوا مثلنا.. بالمقابل الذي نحدده لكم”.