يودِّع السوريون رمضان السادس منذ بداية ثورة الحرية والكرامة، والتي واجهها النظام السوري بحرب دامية، ليستقبلوا عيدا ليس كأي عيد على مرِّ العصور، عيدٌ على أصوات القذائف والبراميل وأزيز الرصاص، المزيد من الضحايا الأبرياء من أطفال ونساء ورجال طيلة شهر رمضان، لم يراع النظام أي حرمة فيه ولا ضعف المدنيين خلال صيامهم، فمن الطبيعي التوقع بحرمان هذا الشعب من فرحة العيد.
لم تفرق براميل الموت بين كبير وصغير أو مدني وعسكري، ولا بين مشفى أو ثكنة عسكرية، ولم تكن الهُدن المبرمة بين بعض الفصائل والنظام سبيلا لإيقاف حمام الدم خلال شهر رمضان المبارك، ويبدو أنَّ الأمريكان والدول العظمى يؤيدون ما يقوم به النظام السوري وحلفائه من مجازر بحق الشعب، فلم تعد دماء وأشلاء السوريين تهز ضمائر الحكام النائمة.
في الشمال السوري وبالأخص حلب المحررة تفوح رائحة الموت في كل مكان، وأصوات القذائف والقنابل الفوسفورية المحرمة تكاد لا تفارق سماءها ليل نهار، ممَّا جعل مجرد التفكير بالسلام أمرا صعب المنال، عدا عن التفجيرات والمفخخات التي تستهدف تجمعات لعسكريين تجرف في أغلب الأحيان مدنيين في طريقها.
أين سيقضي السوريون عيدهم؟!
ينشغل المسلمون في كافة بقاع العالم بشراء مستلزمات العيد من ثياب وأنواع مختلفة من الحلويات والألعاب، إلا أنَّ حال السوريين ليس كحال باقي البشر، فلم يعد معظمهم يهتم بلبس ثياب جديدة أو حلوى تفرح أطفالهم، فالوضع غير آمن، والأسعار المرتفعة تمنع الكثير منهم من شراء مستلزمات العيد، فمعظم الأطفال يتيمو الأب أو الأم أو ربَّما كليهما.
تقول رنا أرملة من مدينة إدلب: ” بعد أن توفي زوجي لم أعد أشعر بطعم العيد، فمن سيرافق أطفالي لزيارة الأقارب ومدينة الألعاب؟ لم يعد العيد يسعدني، لكني سأحاول ألا أذرف مزيدا من الدموع من أجل أطفالي، فمن حقهم أن يشعروا بقليل من السعادة والفرح في العيد”.
لم يعد يخفى على أحد حال اللاجئين السوريين في المخيمات والأطفال هناك لا يريدون سوى العودة إلى ديارهم، فالخيام لم تعد تقيهم حرَّ الصيف وبرد الشتاء، أطفال الخيام يحلمون ككل البشر بالعودة إلى مدارسهم واللعب مع أصدقائهم، فلا يكفي أن يبقوا كحيوانات على قيد الحياة، فهم مازالوا على قيد الأمل والتفاؤل، على قيد الحلم بشيء جميل سيحصل ذات يوم، ولكن يبدو أنَّ ستة أعوام مضت ومازال للحلم بقية.
في صباح العيد ستصدح المآذن بأصوات التكبيرات ويصلي الجميع صلاة العيد، فهل سيتذكر خطباء الجوامع في الدول العربية معاناة إخوتهم السوريين من قتل ودمار وتشريد، فالوضع السياسي بات بارداً ومغايراً، ولم يعد قادتهم جادين في تخليصهم من المجرم بشار الذي يبدو كهولاكو أو كجبار انتصر عليهم جميعا، ولن تتعدى خطبهم سوى الدعاء.
سيحتفل بعض السوريين في مناطق النظام بالعيد على أصوات الموسيقا وضحكات الأطفال، وعلى بُعد أمتار قليلة ستُسمع أصوات القذائف والبراميل فوق رؤوس أطفال آخرين ومجازر لا مثيل لها فينقلب عيدهم عزاء وقهرا وحزنا، وسيتواصل مسلسل الدم والنزوح بحثا عن حياة أفضل وأكثر أمنا.
زيارة الأحبة في المقابر
بعد الانتهاء من صلاة العيد يتوجه الجميع إلى زيارة المقابر ليعايدوهم قبل الأحياء، حاملين معهم القرآن لتلاوة بعض الآيات والدعاء لهم، في تلك القبور يرقد أحبة وأهل لكثيرين، وهذا العام سيكون العيد أكثر وجعا من غيره، فقد زاد عدد الأحبة ممن ضمتهم تلك القبور.
للسوريين حكايا وقصص مع القبور، فلكل قبر حكاية، ومن منا لم يسمع بقصة الأم في الغوطة الشرقية التي فقدت وحيدها بالحرب، ففي العيد الماضي اشترت له ثيابا وجلست تحدثه بجانب قبره وكأنه يسمعها وتسقيه الماء وتزرع بجانبه الورود علها تؤنسه، وأغرقت قبره بالدموع، ثم توجهت إلى احي ووزعت على الأطفال تلك الملابس وبعض النقود والحلوى صدقة له.
أمنيات السوريين أن يعمَّ السلام في سوريا ويعيشوا في ديارهم بأمان، وأن تمتزج تكبيرات النصر على النظام المجرم بتكبيرات العيد؛ لينالوا بعد صبر ست سنوات فقدوا خلالها أحبة وممتلكات في سبيل تحقيق حريتهم وكرامتهم.