نور الهلالي |
حياتُنا مليئةٌ بالفُرصِ المؤدّية إلى الخير، وهذهِ الفُرَصُ ثمينةٌ إنْ فاتت لنْ تُعوّض مرّةً ثانية….
فرصةُ تعلّم اللُغة إحدى أهمِّ الفُرص في حياتنا، فكيفَ إذا كانت لُغةُ القرآنِ الكريم!
كذلكَ الأمرُ في اللغةِ العربية، حالها كَحال أيِّ فرصةٍ إنْ اكتسبناها وأكسبناها لمن هم بعدنا كانت لنا خيرَ مُعين، وإنْ أهملناها كما فعلَ الكثيرُ من المهاجِرين فورَ وصولهم وضياعهم بينَ لغة ثانية، فأهملوا الأولى على حساب الثانية عندها ستكونُ العواقبُ مؤذية…
فَمنْ أضاعَ لغتهُ في ظلّ هذه الظروفِ التي نشّهَدُها، فقدْ تاهَ عن أمتهِ، وفقدَ نسبَهُ، وأضاعَ تاريخاً عريقًا لهُ..
في الآونة الأخيرة وبسببِ ظروف الحربِ في بلادنا وفتراتِ الهجرة والنزوحِ، شَهِدَتْ لُغتنا صعوباتٍ وتحدياتٍ كبيرةً، أُحاطَتْ بِها من كافة الجوانب، لكن رغم ما حصل لم تتّجه بتاتاً إلى الهاوية وهذا يعود لِفضل الله عزّ وجل بأن جعلها لُغة القرآن الكريم….
فنحنُ كسوريين مذُ أزهرت براعم الكلام في فمنا ونحنُ نتكلَّم هذه اللغة، ولكنّنا لم ندرك حينها أنَّ ذلكَ سيكونُ سبباً لأحزان لم نعد نرى لها نهاية، أحزانٌ بتّنا نراها في أعيُنِ من هم بحاجتها، ومن يحتاجونها بصدق، إلّا أنَّ ظروفَ عوائلهم كانت ضدَّهم في هذا المجال..
فمنهم من لم يستطعْ إرسالَ أولاده إلى المدارس بسببِ الأقساط، ومنهم خوفاً عليهم كونهم خرجوا من الحرب مؤخراً.
ولهذا وحرصاً على عدم ضياعِ أولادنا أكثر، ولحمايتِهم من شرٍ قادم كانت (بادر)
– من أينَ جاءت (بادر) وما المقصود بها؟
(بادرْ قبل أن تُغادر) مُبادرةٌ تطوعيّة، شخصية، بدأتْ من مدينة اسطنبول (التركيّة).
جاءتِ الفكرةُ من مُعلِّم صادقٍ مخلص لمهنتهِ، مُحِبٍّ لِلُغتهِ، غيور لعربيتهِ.
بدأ بالتفكيرِ والتنفيذ في آنٍ واحد، طُبِقَتْ فكرة (بادر) في أوائلِ الشهر السابع من العام الحالي بمدينة اسطنبول بمبادراتٍ صادقةٍ وجميلة من مُعلمين سوريين ومُعلِّماتٍ سوريات أثبتن جدارتهنَّ وحُبّهنَّ للمهنة السامية…
بدأتِ المبادرةُ بمجموعاتٍ صغيرة متوزعة في أنحاء المدينة، تشملُ المراكزُ التعليمية المُتاحة لهذه الحملة المدارس المؤقّتة، الجوامع، الحلقات التعليمية والمنازل، وبإقبالٍ رائع من عددٍ جيدٍ مِنَ الطُلاب وأهاليهم ترحيباً بالحملة.
كانت تُعطى في المدارس المؤقتة في ساعةِ الفراغ التي حُدِّدَت من قِبل التربية للمعلمين السوريين للتفرّد بطلابهم، فكانَ للحملة نصيبٌ من هذه الساعة لاستثمارها في تعليم اللغة العربية..
الحملةُ كما ذكرنا تطوّعية، تأسَّستْ بوضع هدفٍ والسعي لتحقيقهِ.
ومن أهداف حملةِ بادر الأساسية:
1_ ترسيخُ اللُغةِ العربية وإتقانُها كتابةً ولفظًا لمُحتاجِيها.
2_ إنقاذُ جيلٍ كامل من عمليّة الدمج التي قد تؤثِّر سلباً بنسيان اللغُة الأُم.
3_ نشرُ لُغة القرآن الكريم.
4_ نشر ثقافة التطوّع بين المُعلمين وغيرهم.
5_ تنشيط المُعلمين السوريين الموجودين في المراكزِ المؤقتة في فترة الصيف.
6_ الوصولُ إلى مرحلةٍ يستطيعُ فيها الطالب السوري التمكُنَ من قراءة القرآن بشكلٍ سليم، ويكون فيها صدقةً جارية لمُعلِّميه.
من مبادئ الحملة الثابتة: العمل مجاني بالكامل “ابتغاءً لِمرّضاة الله عزَّ وجل “، كما أنَّ الحملة محصورةٌ فقط بتعليم اللُغة العربية.
أما بالنسبة لفكرة الحملة فقد كانت بدايتها قويّة جدًا رُغم افتقارها للوصول إعلاميًا، لكنّها أثبتت قوتها على أرض الواقع.
حيثُ وصلَ عدد الطُلاب في منطقة “اسطنبول” وما جاورها إلى مئتي طالب وطالبة.
توسّع العدد بعد الأسبوع الثاني من انطلاقها ليتجاوز 500طالبٍ موزّعين على عِدّة ولاياتٍ تركية منها (أنطاكيا_ مرسين _أضنة) وغيرها من الولايات التركية…
الحملة إلى هذه اللحظة مازالت مُستَمِرةً بفضل الله عزَّ وجل، وجهود الكادر المُتمكّن.
وانا شخصياً أحصدُ الآن ثمارَ ما عَملت، واسأل الله أن يكونَ هذا في ميزان حسناتِ الجميع…
شكرًا لكم كادرَ بادر على إنارةٍ أشعلتموها بعد ظُلمةٍ داكِنةٍ من اليأس.
شكراً لكم مني ومِن طَلبَتي ومن كُلِّ مُسلِمٍ أضلَّ طريقهُ والشكر موصولٌ “للمُبادر الأول” الذي رفضَ أن يُذكر اسمه.
بادر للجميع، لا تقتصرُ فقط علينا نحنُ المعلمين…….. بادر تشملكم يا أولياء الأمور (آباءً وأُمهاتٍ) فأنتم معنيّون بشكلٍ كبير بإنتاج جيلٍ مُتسلّحٍ بأصولِ اللغة لنشر الوعي والفكر بين أبنائكم.
كونوا لَنا مُعينين نَكُنْ لكم سنداً في الشُدّة.
هَدَفُنا واحد، هو نشر الفكرِ الصادق وتوعيةُ الجيلِ الجديد على وجه الخصوص، وغرس حُب اللغة في قلوب أطفالنا…
فمرحلةُ الألف ميل تبدأ بمُبادرة “فاستبقوا الخيراتِ” ولا تتقاعسوا عن نشرها….