معتز ناصر ( جاد الحق ) |
لعل أهم سبب خرجنا ثورة لأجله هو حرية اختيارنا لمن يديرنا أو يحكمنا، فلو أردنا اختصار فترة البعث بكلمتين لكانت (غصبًا عنك).
(غصبًا عنك) كانت ترافق المواطن السوري من طفولته في كل شيء (طعامه، شرابه، حمامه..) وتستمر معه للمدرسة وواجباتها ودروسها ومناهجها، ثم تخصصه الجامعي، أو مهنته، مرورًا بشريك حياته، لتأتي درة تاج المآسي السورية، وهي استفتاء تجديد الولاية للسيد الرئيس.
ما كان يجري حقيقة قبل الثورة لم يكن انتخابًا ولا حتى استفتاءً، بل كان أشبه بالتحديث التلقائي لتطبيق الأندرويد الذي لا يشمل أي ميزات إضافية، بل هو مجرد تمديد صلاحية، إلى أن تعلّم الشعب أن يوقفه من الإعدادات وقت الثورة.
لو أن شخصًا احتقر آخر بمجلس عام، لكنا سلقناه بألسنة حداد، فكيف بمن احتقر الملايين وأمام كل العالم، وحوّلهم بسطوة المخابرات لفرق مهرّجين ومطبّلين ترقص كالدببة، وتقفز كالقرود في تلك الأعراس الوطنية الديمقراطية التي يتنافس بها الزعيم الأوحد مع نفسه، ليحطم بكل مرة رقمًا جديدًا في نسبة الموافقين عليه!!
حتى لو حصلت كارثة طبيعية ما أدت إلى انقراض الشعب كله، فسيظل الزعيم الأوحد ينجح في الاستفتاءات الشعبية بنسبة 99.9 أو 97.7، وسيتفاجأ الناس بنجاحه وتتقطّع أنفاسهم انبهارًا من هول الشعبية الجارفة للزعيم، وستغرق البلد بالأفراح والليالي الملاح سرورًا بتمديد حكم العبودية سنوات مهانة أخرى.
كان ذلك في أيام تيه البعث المظلم، فهل يُعقَل أن نعيد تلك الأيام السوداء بأيدينا، وبعصر ثورتنا، وبمناطقنا التي حررناها بدمائنا ودموعنا؟!
بعد صدور قرار حل المجالس المحلية في الشمال السوري، بدأ الناس بريف حلب الشمالي يشعرون بإيجابية التغيير المرجو، ويتطلعون لعيش تجربة حرية يحلمون بها من عشرات السنين، وهي تجربة الانتخاب الحر لمن يديرهم؛ لأن طريقة التعيين من الأعلى بشكل قسري فيها من التعسف وهضم الحقوق ما يتنافى مع أبسط قيم الديمقراطية والدين معًا، وإني لأعجب لمن يطبّل لأردوغان وتجربة العدالة والتنمية الديمقراطية بتركيا، ثم هو في الشمال يخاف من الانتخابات كخوف الطفل من الحقنة، وما ذلك إلا لأنه يعلم أن ما وصله من منصب لن يحلم بعشره إذا تُرِكَ للشعب حرية اختياره، والأعجب منه من يعترض على مسؤول؛ لأنه وصل بغير الانتخاب، ثم صمت عن قريبه أو شريكه لمَّا تم تعيينه!!
والأعجب منهما من يكون ديمقراطيًا في بلده ومع شعبه، وديكتاتوريا خارجها ومع شعب آخر!
المبادئ لا تتجزأ ولا تغيرها حدود.
لا حلّ لتقدم الشمال وازدهاره إلا بتفعيل آلية الانتخاب، وذلك بتوافق الفعاليات المدنية والثورية على مواصفات المرشحين، وإلزامهم بتقديم برنامج عمل مرفق بجدول زمني، مع الاتفاق على آلية شفافية ورقابة شعبية واضحة ومحددة، ثم ليختار الناس من يريدون وسيكون خيارهم الأفضل بإذن الله لأنهم أخذوا بالأسباب.
الحذر كل الحذر من تقديم المصالح الحزبية والعشائرية والعائلية والمناطقية على المصلحة العامة، فتلك هي الخيانة بعينها في الدنيا والآخرة، وإنَّ تفعيل خطوة انتخابات المجالس المحلية هي تحقيق نصر داخلي كبير تحتاجه الثورة، وتأهيل للشعب ليبني سورية الحرة المستقبلية دون وصايات أجنبية، أو إملاءات خارجية.