فاطمة حج موسى |
“بدأتُ تعلم القرآن بالاستماع إلى كبار القرَّاء كالشيخ محمود الحصري وأيمن رشدي سويد، كنت أستمع وأردد الآيات خلفهم حتى تعلمت طريقة لفظ الحروف الصحيحة من خلال الآيات.”
هذا ما قالته (أمينة الصطوف) مديرة معهد حفيدات عائشة في قرية سرجة بجبل الزاوية عن بداية رحلتها مع تعلم القرآن، وأضافت: “كان حافظات القرية يُعلمنَ الأطفال القرآن في المنازل؛ لأن مدرسة قريتنا مدمرة، فذهبت وأسمعت إحداهنَّ صفحات من القرآن فشجعتني لأني لم أخطئ بأي حرف بعد أن أسست نفسي جيدًا، ثم تعلمت التجويد وحفظت 27 جزءًا من القرآن، وبطلب من المعلمات أصحبت أدرِّس حلقة تحتوي 40 طالبة مدة سنة، وبعد سنة أخرى حصلت بفضل الله على إجازة بحفظ القرآن الكريم من الدكتورة (شذى اليوسفي) بقرية الغدفة، ثم افتتحنا معهد القرآن في قريتنا سرجة رغم الدمار بتاريخ ٢٠١٨/٧/١٥م .”
يستهدف معهد حفيدات عائشة طالبات العلم من جميع الأعمار، نساء شهداء وأرامل ومنقطعات عن الدراسة وحتى طالبات المدارس.
تبدأ رحلة التعليم بدءًا من جزء رشيدي الذي يتعلم فيه الطالب إتقان مخارج الحروف ليقرأ القرآن بشكل صحيح، ثم الانتقال إلى جزء عمَّ، وفي هذه المرحلة يتعلم الطالب القرآن على الحاضر مع التجويد، وبعد ختم القرآن توزع مكافآت ضمن حلقة للأوائل يُكرم فيها من ختم، وبعد هذه المرحلة يبدأ الحفظ غيبًا.
وتجربة الآنسة أمينة ورحلتها مع القرآن استطاعت نقلها إلى العديد من النساء اللواتي انقطعنَ عن التعليم لأسباب متعددة، فالسيدة (فاطمة أم عطا(٤١ عامًا قالت عن تجربتها بتعلم القرآن: ” تركت دراستي من الصف السادس، ولم يتوفر لي الوقت المناسب لاستكمال تعليمي، وقصة عودتي إلى التعلم أنني ذهبت لأطلب من الآنسة أمينة تعليم ابنتي، فأعجبت بالأسلوب، وأسمعتها حينها صفحة من القرآن، وهي بدورها شجعتني لأتعلم أحكام التجويد، وبعدها حضرت دورة (نور البيان) بمدينة معرة النعمان مع مجموعة فتيات، فطلبت المعلمة مني البدء بالتعليم، فجمعت في منزلي أطفالاً لأعلمهم، ثم افتتح المعهد وأصبحت أدرِّس فيه جزء رشيدي والقرآن ضمن حلقة، والناجحون من الحلقة ينتقلون إلى حلقة أخرى لاستكمال تعليمهم، وحالياً أتمنى أن أحفظ التحفة والجزرية وأحقق حلمي.”
إلا أن (زينب مجلاوي) ذات ٢٠ عامًا تركت مدرستها منذ بداية الثورة بسبب عسكرة قوات النظام بالمدرسة، ثم تزوجت لكنها فقدت زوجها في عام ٢٠١٦ م وهي حامل بشهرها الثامن بابنتها خديجة، تقول:
” بعد ولادتي طفلتي شعرت بمسؤولية كبيرة بما أنني أصبحت الأب والأم معًا، وقررت تغيير وضعي نحو الأفضل، فسجلتني أختي بالمعهد لتعلم القرآن، وفعلاً بدأت بالذهاب والحفظ، فبدأت من سورة آل عمران وكنت يائسة من حفظ أجزاء القرآن، لكن بتحفيز وتشجيع عائلتي وصديقاتي ومعلماتي تجاوزت هذا الأمر وفتح الله عقلي وقلبي بنور القرآن، وبفضل الله ذهب عني العناء والتعب والمرض، وأصبحت متفائلة راضية حتى تجاوزت جميع من حفظوا قبلي، ومع مضي الأشهر والأيام حققت الحلم وختمت القرآن يوم السادس من رمضان الماضي، وبعدها طلبت مني المعلمة تعليم الفتيات، وأتمنى من الله أن يقدرني على نقل القرآن ورسالة العلم.”
لم يكن الركام والقصف في قرية سرجة بجبل الزاوية سوى حافزًا لنساء استشعرنَ مسؤليتهنَّ في بناء أنفسهنَّ وتربية أطفالهنَّ على العلم والمعرفة والعيش في رحاب القرآن حفظًا وعملاً في الحياة.