جنون العظمة أو(الميغالومانيا) هو أحد الأمراض العقلية التي يمكن أن تصيب الإنسان نتيجة حسه بالفوقية والأنا عمَّن سواه، ذلك الحس ينبع من الاعتقاد الجازم للمرء بأنَّ الأفكار التي يؤمن بها هي ثابتة لا شكَّ في تغييرها، والتي تكون عادةً نتيجة شعوره بالاضطهاد والظلم الساعي للقضاء على قدراته العقلية والبدنية التي يراها نادرة للغاية.
وقد غزت الميغالومانيا مجتمعاتنا الحالية بشكل ملحوظ، وقد تكون المفاهيم التي سيرتها وسائل التواصل الاجتماعي أحد أسباب انتشارها.
يظهر الغرور في نظرة المصاب عندما ينظر إلى النعم المتاحة إليه نظرة استعلاء، فيختلج في نفسه إيهام بحب ذاته وتعظيم ما لديه من صفات، كالجمال أو الذكاء وغيرها، فيرى في كلامه خير الكلام وأحكمه، ولا مجال للشك في معتقداته التي بناها بعد ازدراء معتقدات الآخرين والاستخفاف بقدراتهم، وأحياناً يكون هذا الغرور قِناعاً يستعمله المصاب لإخفاء إخفاقات نفسية واجتماعية، وأداة لإثبات تفوقه بأمور ثانوية (فعلت كذا، اشتريت كذا، امتلكت كذا..) هذه التعابير ليست إلا مزايدة على إنجازات الآخرين.
ولأنَّ الأنا لا تستقر على حال ولا ترضى بالموجود، فهي ترغب بالمزيد والأحسن، فتحمل صفات تطبع على شخصية المصاب الأنانية والاكتفاء بالذات، فيختص المصاب بالعظمة المصالح لنفسه، ويسعى لتحقيق المكاسب لإرضاء ذاته فقط بصرف نظره عن مكاسب الآخرين.
وتدفع الأنانية صاحبها للانتفاع الشخصي على حساب إضرار الآخرين، سرعان ما يتنامى حبُّ الذات في نفسه مقنعاً ذاته أنَّه الأحق والأجدر بتلك المكاسب من غيره، ولا بدَّ من وجود جماعة من المستخدمين للوصول إلى مبتغيات أنانيته.
ومن هنا يمكن القول: إنَّ الأنا إذا تضخمت وعملت على تحقيق مطامعها خارج التفكير الجماعي للإنسان فإنَّها تخرب ما تبقى من الإنسان وتخرجه عن الغاية التي وجد لأجلها، لذا نرى شقاء الإنسانية اليوم بسبب هذه الأنانيات.
ومن خصائص الأنانية بشتى أنواعها خاصية الصراع مع الإنسان الذي تحسبه خطراً أو تهديداً لفنائها.
وهكذا تبدأ المعاناة الاجتماعية من نواتها الأولى ألا وهي الأسرة بالتفكك الأسري والعزلة النفسية عن باقي أفرادها التي تسوق للفرد المنعزل عوائق شديدة تحده من التفاعل مع أسرته، كما يعاني المصاب بالميغالومانيا فشلاً في علاقته مع أصحابه واستيائهم المتكرر من تصرفاته التي يقوم بها دون أخذ عين الاعتبار بهم واستناكره لأفعالهم بنظرته الفوقية عنهم.
فتخلق تلك التأثيرات على أسرته وأصدقائه شرخاً بينه وبين مجتمعه الذي يقصيه عن الفعاليات الجماعية ومجالس تبادل الآراء والخبرات.
ويمكن القول: إنَّ الأنا المتضخمة في عصرنا الراهن هي سبب الصراعات والحروب، وللحدِّ من هذه الصراعات لابدَّ من إحياء التفكير الجماعي الذي يستدعي العمل على تخفيض انتشار (الأنا) دون محاربة التمييز والمنافسة الشريفة، ومعاقبة الأنا المتضخمة بضبطها ضمن حدود وقواعد تقوم على عدم الإضرار بالمصلحة الجماعية كشرط أساسي من أجل تحقيق المصلحة الفردية، بالإضافة إلى زرع إحساس التواضع الدافع لاحترام آراء و قدرات الغير، ولا بدَّ من بلورة فكرة أنَّ (الأنا) هي جزء من (النحن) التي تزدهر بتشاركية التفكير الفردي الساعي للبناء والازدهار.