لا تزال الهوة الواسعة بين الرؤية الروسية والأمريكية للحل في سورية في اتساع ومحط جدل، حيث امتدَّ مؤخرًا إلى بدهيات الطبوغرافية الجغرافية لسورية، ففي الأسبوع الماضي أعلن جيمس جيفري المبعوث الأمريكي لسورية أن 40% من الأراضي السورية لا تزال خارج نطاق سيطرة الأسد، بينما أعقبه الرئيس الروسي بيوم واحد في منتدى فالداي بتصريح اعتبر فيه أن 95% من الأراضي السورية حررت بدعم من القوات الروسية.
هذا التناقض بين الطرفين في احتساب مناطق السيطرة والنفوذ جعل من المساحة السورية 135% !! ممَّا يعكس عمق اختلاف وجهات النظر وينبئ بخريطة سورية المستقبلية التي لا تتسع لكل الأطراف!
بوتين الذي قذف الكرة في الملعب الأمريكي بما يتعلق بإخراج إيران من سورية وجَّه في الوقت نفسه صفعة لإسرائيل، على خلفية إسقاط الطائرة الروسية أمام شواطئ اللاذقية، ابتعد بروسيا عن هذا الصراع معتبرًا ذلك أنه ليس من مهام بلاده بعدما باتت ظروف هذا الصراع تصبُّ في سلة المصالح الروسية مهما كانت نتائجه، إذ تقوم العلاقة بين الروس والإيرانيين في سورية على الدعم المتبادل وفي الوقت نفسه يخوضان تنافسًا ناعمًا وخفيًّا لتحقيق مصالحهما.
التحول الروسي في إدارة الصراع في سورية من الآلة العسكرية إلى الدبلوماسية بات واضحًا مع ضيق المساحات التي لم تعد تسمح بحروب الوكالة والنفوذ واحتمالية تحولها إلى صدامات صراع إقليمي مباشر (التنف – إدلب – ضفة الفرات) لذلك قد تتجه الأطراف في المرحلة المقبلة إلى حالة صراع سياسي ربما ينفجر بأي وقت ويترجم عسكريًّا على أرض الواقع مع اقتراب استحقاقات الحل السياسي (المعقد) كما بدأ الأتراك بالحشد عسكريًّا على الجهة المقابلة من مناطق سيطرة الميليشيات الانفصالية و إعلان الولايات المتحدة بقاءها في سورية ما دامت إيران فيها.
التحركات والتصريحات الروسية افسحت المجال الآن أمام اللاعبين الإقليميين للمواجهة برفع روسيا الغطاء عن التعامل مع الوجود الإيراني و تسليم النظام (والإيرانيين عمليًّا) منظومات إس 300 وحديث لافروف عن الوضع الخطر شرق الفرات الذي شكل دعمًا غير مباشر للتحركات التركية يؤكد أن بوتين يسعى لخلط الأوراق بمعزل عن أي تأثير أو تأثر روسي ليحقق مستقبلاً من سمسرته السياسية والعسكرية مصالح جديدة يعجز عنها عسكريًّا أو ربما قد تكون مكلفة عليه سياسيًّا وهو ما يخطط له أيضًا بلقاء إسطنبول الرباعي مع الأتراك والأوربيين، حيث اعلنت الرئاسة الروسية أن مواضيع عودة اللاجئين وإدلب وإعادة الإعمار ستكون على رأس جدول المباحثات للقاء المزمع عقده.
بيضة القبان الذهبية المتمثلة بالمواقف الروسية على الخريطة السورية لن تكون مجانية بعد الآن بالنسبة إلى الحلفاء والشركاء والأعداء، وستتعجل روسيا توفير كل مقومات الصدام في القريب، فإما أن تكتمل دائرة المصالح بين الأطراف وتكون روسيا أحدها بمصالح جديدة وهو أمر مستبعد، أو أن تكسر جليد عزلتها ومصالحا بنار حرب إقليمية أكبر ما يمكن أن تخسره فيها هو دماء السوريين التي لا تساوي عندها شيء.