جاد الحق
مع بداية الاحتلال الفرنسي لسورية، عملت فرنسا على استقطاب الأقليات واستخدامها مطية لمصالحها ضد الشعب السوري، وعلى رأسها النصيرية المعروفة دائماً بخيانتها ووقوفها مع أي محتل من أيام الصليبيين والمغول.
شكَّلت فرنسا بعد احتلال سورية ما يعرف بقوات الشرق الأدنى التي هي تشكيلات عسكرية تحارب لصالح فرنسا.
زادت العلاقة حميمية بين الأقليات وعلى رأسها النصيرية وفرنسا، وتجلى ذلك بالرسالة التي أرسلها أعيان الطائفة النصيرية إلى فرنسا تستجديها إقامة دولة نصيرية مستقلة عن سورية.
بعد الاستقلال برزت الحاجة لتشكيل سياسي يغطي أطماع الطوائف الباطنية في حكم سورية، ووجدت هذه الطوائف ضالتها في حزب البعث المشكل من قبل صلاح بيطار وميشيل عفلق.
وكانت بدايته بما يعرف بحركة البعث العربي التي نشأت في دمشق عام 1947، ثمَّ تطورت إلى حزب البعث الذي هو عبارة عن حزب علماني ذي توجه اشتراكي يتستر بالقومية العربية.
وفي عام 1952، اندمج البعث مع الحزب العربي الاشتراكي، ليتشكل ما سمي بحزب البعث العربي الاشتراكي.
كان البعث يعاني من انقسامات وتأزمات داخلية تعصف به، حاول البعثيون الهروب من مشاكلهم إلى الأمام عبر تشجيعهم للوحدة مع مصر وحل أنفسهم مقابل تسلمهم مناصب في دولة الوحدة.
استطاع البعثيون إحراز مكتسبات قيادية في دولة الوحدة التي كانت كارثة على الاقتصاد والمجتمع السوري المزدهر، لكن استخفاف عبد الناصر بالبعثيين كما يذكر أكرم الحوراني في مذكراته دفعهم للعودة إلى دمشق والانقلاب عليه، وانفصال سورية عن مصر.
استمر انخراط أبناء الأقليات من دروز وإسماعيلية ونصيرية في صفوف البعث، حتى صاروا القوة الفعلية المتحكمة بالحزب.
في بدايات عام 1963 تمَّ إفراغ دمشق وما حولها من الوحدات العسكرية التي يتزعمها ضباط سنة، واستبدالها بوحدات عسكرية يتزعمها أبناء الأقليات، وفي ليلة الجمعة السابع الثامن من آذار حصل انقلاب عسكري بقيادة حزب البعث، أطاح بحكومة ناظم القدسي، وشكل حكومةً من البعثيين.
كانت عصا السلطة الفعلية بيد اللجنة العسكرية البعثية المكونة من: صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ الأسد، وجميعهم من النصيرية، وسليم حاطوم وحمد عبيد وسليمان حداد، وجميعهم من الدروز، وأحمد المير وعبد الكريم الجندي من الإسماعيلية.
تمَّ بعد هذا الانقلاب تسريح حوالي 700 ضابط من السنة واستبدالهم بضباط غالبهم من النصيرية، إلا أنَّ النصيرية سرعان ما أظهروا طبيعتهم الغادرة ووجههم الحقيقي عبر تصفية رفاق الانقلاب الأول بانقلاب ثانٍ في 23 شباط 1966 ليبقى فقط النصيرية في الحكم بعد إخراج الدروز والإسماعيلية.
وما لبث أن انقلب النصيريون على بعضهم، حيث قام حافظ الأسد بتصفية رفيقيه محمد عمران وصلاح جديد ليصبح هو السلطة المطلقة في سورية وذلك عقب انقلاب تشرين الثاني 1970.
شهدت حينها سورية البعث تدهوراً كبيراً على كافة المستويات، تطور هذا التدهور إلى انحدار سريع حين انتقلت سورية من سورية البعث إلى سورية الأسد، يكفينا معرفةً أنَّ سورية عاشت أطول حالة قانون طوارئ في العالم، إذ أعلنت من عام 1963 حتى 47 سنة لاحقة.
ليس ذلك فحسب، بل تمَّ ملاحقة جميع النخب الفكرية والسياسية والاجتماعية، واستبدالهم برويبضات جهلة لإكمال عملية تجهيل المجتمع السوري، وتمَّ إلغاء صدور 17 صحيفة سورية، وهرب أصحاب الأموال من تجار وصناعيين بأموالهم خارج سورية خوفا عليها من أن يسرقها البعثيون بحجة الاشتراكية، ممَّا أدى إلى تخلف اقتصادي نعيش آثاره إلى اليوم.
وشاء الله بعد عشرات السنوات العجاف أن يكون مولد الأمل في آذار 2011 الشهر نفسه الذي قتل فيه حافظ الأسد ومن معه الأمل السوري في عام 1963.
وما بين يومي 8 آذار و15 آذار، وعامي 1963 و2011، الآلاف من قصص الشهداء والمعذبين والمغيبين والمشردين، وآلاف القصص التي تنسج فيما بينها لوحة سريالية تحكي قصة ثورة شعب وتآمر دولي عليه.