في مقطع فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي يقدم عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور إبراهيم البليهي، محاضره في جامعة اليمامة عن الحضارة الغربية، ممجداً إياها بشكل كبير على حساب الحضارة العربية الإسلامية، وكان من بين الحضور الدكتور الجزائري بن حراث بوتو فردَّ عليه ردًا منطقياً، وانسحب بعدها من المحاضرة، فما كان من الحضور إلا التصفيق له والانسحاب من المحاضرة. لتبقى المنصة مملوءة بالبليهي وفارغة من كل معنى لوجودها.
ما لفتني في المقطع هو هذه الخيرية التي نشعر أننا نفتقدها فيما تبقى من الأمة، وعند الشعوب العربية بالذات، لحظة الانتماء للحقيقة وعدم التمسك ببريق المنصات ومكانتها على حساب الحق والمنطق، التي جسدتها فئة واعية (ليست فئة شعبية لا يعول عليها سوى الانجرار وراء العواطف أو عدوى العوام أو حركية القطيع غير المنضبطة)، تلك اللحظة الفارقة التي انتصر فيها صاحب المنطق لما اعتمل في وعيه كمسؤول عن الانتصار للمعرفة والحق وعدم المجاملة فيهما. ولو كان على حساب خذلان المنصة بكل ما تحمله من بريق وسلطة معرفية واجتماعية مشتهاة.
هذا الموقف ارتبط لدي بمفهوم التواصي الذي حدد خسران الإنسان الصالح العامل إذا لم يقم به، التواصي بالحق، والتواصي بالصبر، التواصي الذي يستند دائماً إلى تقويم المعرفة والبحث عن الحق وعدم الركون لغيره، والتواصي بالعمل والصبر على المشقة حتى يصل الجانب النظري المعرفي (الحق) إلى مستوى التطبيق المستمر (الصبر والمصابرة على العمل) هذا التواصي الذي يشكل في أحد أهم أبعاده نظرية انتماء للربح والنجاح والإعمار والفوز في الدنيا والآخرة، حيث لا يقتصر مفهوم النجاة على حالة فردية مؤمنة تبذل وتعمل بشكل فردي، وإنما تمتد لتكون جزءًا من المجموع مؤثرة ومتأثرة به، فمفهوم التواصي ذو بعدين ينطلق أحدهما من الفرد إلى المجموعة والآخر من المجموعة للفرد، وبينهما أبعاد جزئية تشكل هذه الحالة في المجتمع الناجي من الخسارة بين الأفراد والجماعات.
المقطع متوفر في الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=F-3JrvvPTpw
المدير العام | أحمد وديع العبسي