يوسف أحمد بدوي |
الشعاراتُ البراقة، يا لها من عبارة رائعة، فلا يوجد أجمل من شعار أو عنوان على رأس الصفحة أو على جبين شخص (داخلياً طبعاً)، والبريق أيضاً يا لها من كلمة لطيفة فهي كما معناها كلاهما يُلفت النظر، ولكن مهلاً… آسف ليس كما تتوقع فإن هذه السطور لن تكون بالرِقة التي تخمنها.
الشعارات والشرائع، المبادئ أو الأعراف الوثيقة، أو حتى العادات القبلية منها أو حديثة لقد أصبحت جميعها خدعة، ليست هي بحد ذاتها ولكن نحن من جعلناها كذلك، فتراءينا بها أمام بعضنا وخُدعنا بها خلف الكواليس، تلك الأخلاق التي نادت بها الكتب السماوية وتنادي بها فطرة كل إنسان حي قد أصبحت براقةً فقط فهي تنفع أن نكتبها فقط ونعلقها كلوحة في غرفة الجلوس، أو نضعها كصورة شخصية على مواقع التواصل.
الصدق والأمانة والإيثار، الصدقة والمحبة، حتى الابتسامة، كلها أصبحت عبارةً عن كلماتٍ ومعانٍ تراها فقط في الآيات والأحاديث، نسمعها أيضاً في الدروس والخطب، قد نراها أيضاً كحِكَم في الكتب، قد تراها في كل مكان إلا أنك لن تراها في قلوب الناس، تراها فقط على المسرح ولكن لن تراها خلف ستائره، الكلام لا يشمل هنا كل الحالات والأشخاص، ولكن هذا واقعٌ نعيشه بالفعل.
إن قررت يوماً الذهاب إلى السوق و عدت بعدها إلى البيت مُرهقاً من حمل الأغراض سعيداً لابتسامات أولئك الباعة اللطفاء فلا تستغرب بعدها من نقص إحدى توابع الجهاز الكهربائي الذي اشتريته ستغتاظ قليلاً لعلمك أن العلبة قد فتحت مسبقاً و أُجري عليها بعض التعديل و لكن لا بأس ، و لا تستغرب أيضاً بعد أيام من سعر تلك القبعة الجميلة التي اشتريتها ب2000 ل.س و اكتشفت بعدها أنّ جميع المحلات بالسوق المجاور تبيعها ب ليرة 1000 فقط ، لا تنزعج يا صديقي من ساعة الرولكس تلك التي جهزت نفسك للتباهي بها أمام أصدقائك غير أن أحدهم قد كشف أمرها بأنها مغشوشة و من صنعٍ محلي أيضاً ، حينها اشتمِ البائع بلطف فإن الشتم العنيف و المضاعف لن يعيد لك نقودك التي دفعتها أو يحوّل ساعتك تلك إلى أخرى أصلية ، جهزت نفسك للعب مساءً أو بعد قضائك يوماً مُتعباً ؟
إنه لشيءٌ جيد أن تضع تلك اللعبة التي سال لعابك من كثرة الإعلانات المشوقة لها ولكن إياك أن تؤذي يدك أثناء ضرب البلايستيشن إن رأيت المحتوى مناقضاً للغلاف، وإن اكتشفت أنّ المواصفاتِ ليس كما رواها لك البائع المحترف، ولا تبتئس كثيراً حين تتذكّر تلك الأيمان الوفيرة التي أقسمها لك البائع عن جودتها فإن ابتآسك وقتها لن يفيدك إطلاقاً، دعونا ننتهي من رحلة التسوق تلك وننتقل معاً إلى اللقاءات والزيارات، يبدو الأمر مشوقاً أليس كذلك؟
يبدأ الأمر بابتسامة عريضة عند بداية اللقاء و يتوسط اللقاء ذاك أسئلة الاطمئنان و معرفة الأحوال بجملٍ اعتيادية قد أصبحت مع الزمن جزءاً من التحية و لا تدل على معناها أصلاً يمكننا أيضاً الاستفادة منها لاحقاً باستخدامها مجدداً في وسط الحوار و ما إن ينتهي اللقاء الحميمي ذاك و يذهب كلٌ من الآخر باتجاه مختلف حتى يبدأ القلب إن لم يكن اللسان بالتهكم و الغيبة طبعاً ، يا لغرابة الأمر، يبدأ الأمر بابتسامة و ينتهي بعكس ذلك رغم سير عملية اللقاء بشكل طبيعي للغاية ، إنها أمراض القلب النفسية ، أو بمعنى أعم ( الاجتماعية ) و لكن ما سبب انتشار تلك الأمور ، أهو النفاق أم مجاراة التيار ، دعونا نأخذ الخيار الثاني بعين الاعتبار ، التيار و طبيعة سير مجتمعاتٍ واسعة بل و كاملة بهذا الشكل ، ما سبب ذلك و ما هي القوة التي تدفع ذلك التيار بالمضي بهذا الشكل الغريب منافية للتعاليم الدينية و الأخلاقية بهذا الشكل الغريب ، إنها المظاهر يا سادة ، المظاهر و الشعارات ، تلك الأزياء التي يحملها الشخص معه أينما ارتحل و يبدلها من حين إلى آخر متى ما لزم الأمر تبديلها ، إنه تجاهل جوهر الخُلُق الحميد و اتباع الأوامر الربانية بالمظاهر فقط لا بالقلب و الجوارح ، ما نتج عن ذلك و بمرور الزمن أن اعتاد الناس على ذلك بل و جعلوه بالوراثة أيضاً ، و في بعض الأحيان قوانين يتبعها الفرد في أموره كلها ، نصائحُ يقدمها الأب لابنه و الصديق لصديقه ، أصبح المجتمع يعيش بقلق و حذر من نفسه ، فهو بطبيعة الحال يعلم حقيقة الأمر و لكن و باعتياده لذلك لا يخطر على أفراده أصلاً مناقشة ذلك ، فكم من حديث يوصينا بابتسامة تنبع من القلب لا الوجه لتعم المودة جميع الأماكن ، كم من وعد للصادقين و وعيد للكاذبين ، كم من أمرٍ صريح بالصدق و نهي عن الكذب كم من تذكير بقيمة الأمانة بكل أنواعها و أشكالها و كم من تأنيب للمطففين ، كم من ترغيبٍ للمخلصين و الصادقين في أعمالهم و نياتهم، كم من ترهيبٍ للمغتابين آكلي لحوم إخوانهم نيئة ، كم من ( و يؤثرون على أنفسهم ) نجدها في قصص الصحابة و الأولين ، كم من متصدق لا تعلم يسراه ما أنفقت يمناه كم و كم و كم .. و تبقى الأسباب مرمية وراء الظهور رغم علم الناس و إحساسهم بها ، إننا نحتاج لإعادة ضبط يعيد النفوس و العادات سيرتها الأولى ، نريد للفئة المحافظة على مبادئها في المجتمعات أن تُذَكِّر و تُوعي ، نريد دروساً نريد نُصحاً نريد تطبيقاً ، بذور الصلاح موجودة و مغروسة إلى الأبد في قلب كل إنسان ما زال حياً ، إنها فقط تحتاج تشذيباً و تقليماً و سقاية لتنمو و تُزهر و يفيح عبيرها في الأسواق و الأحياء و البيوت ، في المجتمع في العوائل في المدارس و الحارات ، إن أملاً أن يعم الخير أرجاء المعمورة موجودٌ و باقٍ حتى قيام الساعة ، فخير أمة أخرجت للناس سيبقى التابعون فيها لسنن الرسول و أوامره يعملون بها ما دامت تقول المئذنة حيّ على الفلاح و ما دام الخير موجود فإنه في انتشار حتى يتغلب و يعم و يشمل و يسيطر .