سبع سنوات من المواجهة العسكرية بين الثورة والنظام السوري أورثت الطرفين عجزًا شديدًا، لكن بالنظر إلى موارد كل طرف وداعميه، ومقدار قوته في بدء المعركة، ندرك حجم الإنجاز العسكري الضخم الذي حققته الثورة في ثباتها إلى الآن رغم ما واجهها به النظام.
الثوار إلى اليوم رغم محدودية إمكاناتهم العسكرية ينتهجون المواجهة المباشرة التي كانت سببًا في كسرات متتالية لهم أمام النظام، بينما النظام رغم موارده الضخمة يعمد إلى الأسلوب الأنجح، والأقل تكلفة وهو الحرب الاستخباراتية التي عمودها الفقري ” زرع الضفادع ” في صفوف الثوار.
حالة الشبيح بسام ضفدع، أو (ضفضع) كما تكتب بالعامية، ليست وليدة صدفة، أو نتيجة عملية استخباراتية معقدة.
فالضفدع ليس جسمًا غريبًا حقن فينا على غفلة، بل كان شرغوفا عاش وتكاثر على صفحات مياهنا الراكدة التي لم تحركها الثورة، وبالتالي نحن نتحمل ما جنيناه على أنفسنا.
ما يدفعني للكتابة المتأخرة عن ظاهرة ” ضفادع الثورة ” هو انحسار الثورة، وتجمع الثوار من كل سورية، في الشمال الغربي منها، وبواقعية نقول: إن النظام بعد أن قام بتصفية جيوب الثورة في مدينة حلب وحمص ودمشق وما حولها، ستمتدُّ مطامعه لا محالة إلى الشمال السوري، حتى وإن تأخر في افتتاح حملة عسكرية عليه لاسترجاعه، ولا ننسى أن الاختراقات المخابراتية للنظام تبدأ قبل سنوات من الحملة العسكرية النهائية، ونتائج الاختراقات هي ما يحدد مصير الحملة العسكرية الخاتمة.
النظام اليوم سيلتقط أنفاسه العسكرية اللاهثة، وقد يستغرق الأمر معه بضع سنين، في هذه المدة سيترك دفة القيادة للعمل الاستخباراتي الذي يؤسس له لإعادة احتلال الأرض، وقلنا إن العمود الفقري لاستخبارات النظام هي توليد الضفادع في صفوف الثوار، اعتمادًا على المستنقعات والمياه الراكدة في المحرر التي لمّا تجففها الثورة بعد، وهنا يقفز لنا السؤال الأبرز، من هم الضفادع في الشمال؟
بالطبع كل واحد فينا، وبنسبة خطأ لا تتجاوز الخمسة بالمئة، يستطيع أن يسمي فصائل وشخصيات ستكون حجر الأساس للمشروع الضفدعي بالشمال، لكن ليكون عملنا أقرب للانضباط العلمي، وأبعد عن الشخصنة، سنذكر أهم صفات الشراغيف الذين سيتحولون إلى ضفادع، إذ هناك نوعين للضفادع:
1) أصلية: وهم الذين لم يدخلوا الثورة ولم يعرفوها، ويرون أن سورية قبل الثورة أفضل مما هي اليوم، وأن النظام رغم مساوئه أفضل كثيرًا من الثوار، بعبارة مختصرة هم جماعة (كنا عايشين)
عمل الضفادع الأصلية يكون ذو منحيين، الأول هو نشر الإشاعات وإضعاف الشعور الثوري، وزرع الفتنة والإرجاف بين الثوار، فهم معاول هدم اجتماعي للمجتمع الثوري عبر تضخيم أخطاء الثورة، وتقزيم إنجازاتها، مع ترقيع وتلميع لعورات النظام.
المنحى الثاني وهو العملي، ويكون عند اقتراب الحملة العسكرية للنظام على مناطقهم، حيث يتواصل معهم النظام وحلفاؤه، ويشترونهم بثمن بخس مقابل أن يصبحوا سماسرة للمجرمين، هدفهم توريط ضعفاء النفوس في عقود الاستسلام المخزي للقتلة تحت شعار المصالحة الوطنية.
طبعًا الضفادع الأصلية ليست بخطورة النوع الثاني من الضفادع، لأنها مكشوفة للجميع والكل يتوقع منها الدور المشبوه.
2) النوع الأخطر من الضفادع وهي المتحورة: الضفدع المتحور لم يكن شرغوفا، بل كان مقاتلاً، أو شرعياً، أو قاضياً، أو إعلامياً، وربما قائد فصيل، لكن بداخله بذرة الضفدعة، التي كانت تنمو بشكل تدريجي، دون أن يفطن الثوار لخطورتها.
أغلب من كان محسوبًا على الثورة، ثم ارتد لحضن بشار، ستجد أن ثورته لم تكن نقية، بل فيها الكثير من الدخن والشوائب، فإما كان داعشيًّا، أو قسديًّا، أو من مجموعة مفسدة، أو شخصية مسيئة، أو من فصيل أنشأته جهة استخباراتية أو عسكرية غربية لتنفيذ أجنداتها، أو تلقى دعمًا من جهة خارجية معادية للثورة.
فإن وجدت فصيلاً اشتهر بالإفساد، واحتواء الدواعش والمسيئين، وخرجت منه نسب كبيرة من الخونة لحضن النظام أو قسد، وهناك جهات دولية ترعى مصالحه، وتؤمن دعمه، وتجره لمؤتمرات دولية تقتل فيها الثورة وتشرح جثتها، فكن على يقين أن أتباع هذا الفصيل هم ضفادع المستقبل.
وإن وجدت إعلاميًّا لا يبالي بسمعة الفصيل الذي يعمل معه، ويقوم بالتشبيح والترقيع له مقابل رزمة دولارات، ووضع اسمه على المعبر، فهذا الإعلامي من ضفادع المستقبل.
وإن وجدت ناشطًا يعمل مع منظمات مشبوهة، ويقدم لها الدراسات، ويرفع لها الكشوف، ويروج لأجنداتها الهدامة في المجتمع مقابل مال حرام، أو ترويج إعلامي فاجر، أو مكانة اجتماعية لا يستحقها، فهذا الناشط سيصبح ضفدعًا متميزًا في مستنقع النظام.
في كل مجتمع يوجد محظورات يصنف فعلها خيانةً عظمى يعاقب مرتكبها بالإعدام، إلا في مجتمعنا الثوري، فبإمكانك أن تنشر دعاية النظام، وتشكك بمبادئ الثورة، وتتنازل عن استقلالية قرارها، وتسيء وتفسد باسمها، كل ذلك وأنت مرتاح الضمير، مرتاح البال، لأنه لا أحد سيجرؤ على مهاجمتك، خاصة بوجود قطعان من المرقعين المنتفعين بخيانتك، الذين سيتولون مهمة تلميعك بكل سرور، بينما لو امتلكت ثورتنا مقصلة كمقصلة الثورة الفرنسية، تطير رؤوس الضفادع الأصليين والمتحورين، لجفت مستنقعات العمالة والذل، واستحالت أرضها حدائق وجنان حرية.