الأرض لم تعد لنا كَشعبٍ ثائر، لسنا من يمثلها، فكلُّ منطقة الآن مرهونةٌ بالفصيل العسكري الذي يدوس ترابها، له أن يقرر وعلينا أن ننصاعَ لقراراته تلك، بغضِّ النظر أعجبتنا أم لا. أذكُر أنه عندما كانت الثورة سلمية، كانت لنا وكنا أصحابها، والمظاهر المسلحة كان الهدف منها حماية التظاهرات والاصطفاف خلفها والإحاطة بها كغلافٍ حامٍ.
الكلمة كلمة الجماهير، والصوت صوتهم، والقرار ما يرونه ويجمعون عليه وحدهم، لا ما يروق الغرباء وغيرهم، ولا ما يسدونَه لنا من نصح بحكم تجاربهم.
سبعةُ أعوام من العذاب الذي عشناه، والقهر الذي طعِمناه، سبعةُ أعوامٍ من التضحيات، منها ما كان يستحق أن يكون فدية الوطن، ومنها ما انتُشِل من بين أيدينا، خطفَته جماعات أقوالها عذبة، أفعالها أشد من العلقم.
إن اقتتال الفصائل مؤخرا، وتناحرها على فرض السيطرة وتوسعة النفوذ، كان تماما كعملية نوعية طال تجهيزها، وكلف الجمعُ والعدُّ لها أرواحاً وأموالا طائلة، كأنهم فهموا المقصود في الآية الكريمة: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” أن يعدَّ بعضهم لبعض، لا أن يعدوا لأعدائهم! فعاد ذلك الإعداد علينا جميعا بلحظة واحدة!
أيها المتناحرون: الوجهة المعنية لقتالكم وسلاحكم النوعي الذي ظهر فجأة ليس هنا، مكانه على الجبهات مع النظام الأسدي المجرم، أم تُراكم أعجبتكم قوتكم على من لا قوة لهم! فأصبحتم تتصرفون كأنكم أرباب ثورتنا، تفرضون علينا القبوع في منازلنا وتحظرون تجوالنا!
إن مكانكم الأساس حيث الجبهات مع العدو وإلا فعودوا إلى نسائكم، يحلو لنا أن نموت بقصف الطيران، أكثر من موتنا برصاص اشتباكاتكم، ويحلو لنا أن يقال عنا: قُصِفوا وذُبِحوا وهُجِروا، على أن يقال فينا قتلَ الأخُ أخاه! ما أشد استحياءنا من نهاية كتلك.
يالَشماتة العدو بنا! كأنه يقول لنا: “ذوقوا إذاً لقاء حريتكم التي طالبتم بها، كانت سجوننا ضيقة تحت الأرض، واليوم بحريتكم أصبحت فوق الأرض وواسعة، حرروا إذاً رقابكم من تحت الحذاء العسكري الجديد، بينما نحن نذبح الغوطة بسلام، آملين منكم ألا تتفقوا يوما، وأن تأكلوا بعضكم بعضا، وأن تغضوا أبصاركم عن نصرة محاصر، وغوث ملهوف، لا يسعنا إلا أن نشكر لكم هذه المشاهد المسلية التي تدهشوننا بها في كل مرة، وتسعدونَ بها قلوبنا كلما كانت دموية أكثر، سلمت يداكم، استمروا، وغداً أو بعد غد يأتي دوركم في الذبح، وتعود سيادة سورية، ويظل القائد خالدا، لا خوف عليكم تنهجون النهج الذي نريد ولا تكلفوننا عناء التعاليم حتى، بل تبرَعون في ذلك.”
رَحِم الله سلاحا خفيفا جمَّع الجماهير ووحدهم، وحرر المدن والأحياء من العدو الحقيقي، ودحض عنهم الشر، واستمات دفاعاً عن أصواتهم، وهدى الله أبناء اليوم، دعاة التطهير، يطهرون الأرض من أهلها!!
وهم في ذلك مزيج بين جاهل أحمق، ومتربص خبيث، فليهدِ الله من يشاء من الحمقى، وليردَّ عنا شرور الآخرين، فالثورة كانت لتنتصر لولا أننا لم نولِّ السفهاء منّا أمورنا، الذين فوق سفاهتم سرقوا أحلامنا وأودعوها غياهب النسيان، باعوا ما باعوه، وأخذوا ما قُدِّم إليهم على طبق من دم أبنائنا، وقتلوا فينا روح الثقة.
في مثل هذه الأيام من شهر مارس/آذار، كانت قيامة الثورة، قبل سبعة أعوام، أما اليوم ماتت الثورة، إلا من ذكرى! ذاك أنها أصبحت قضية، وربما عقيدة وانتماء..