معتصم الخالدي |
لم يكن إعلان الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” انسحابَ بلاده من الاتفاق النووي مع طهران مفاجئًا لأسباب عِدة منها أن ترامب منذ قدومه إلى البيت الأبيض بدأ يأخذ منحًا تصعيديًّا تجاه إيران، إذ سمعنا تصريحات مدوية له ولكبار قادة الإدارة الأميركية تهاجم إيران ودورها المؤذي والسلبي في المنطقة العربية، كما أن العوائد المالية التي جنتها طهران بعد رفع العقوبات الأميركية-الأوروبية طائلة وكبيرة استغلتها في دعم حلفائها في كل من اليمن ولبنان وسورية، كما أن تعاظم النفوذ الإيراني وتراجع الدور العربي في المنطقة واعتزاز إيران بما أسمته “انتصارات على الإرهاب وداعميه” سبب مهم.
كل هذه المسوغات جعلت من ترامب وشركائه يهربون إلى الأمام ويرفعون سقف المواجهة مع إيران، وإذا كانت بعض الدول العربية وعلى رأسها المملكة السعودية تتوجس وتدق ناقوس الخطر من التدخل الإيراني والعبث الحاصل في المنطقة، فإن الإدارة الأميركية ومَن وراءها باتت تنظر بعين الريبة إلى الحلف الجديد في الشرق الأوسط المتمثل بروسيا وإيران وتركيا الذي تتمحور أشكاله في الحرب السورية خاصة، هذه الريبة تأتي من مدى “التقارب المصلحي” بين الدول الثلاثة المستغرب من قبل واشنطن، فإيران التي دعمت آل الأسد في قمعهم لثورة آذار كانت على الدوام تضخ الأموال والعسكر لتدمير المنطقة وإكمال مشروعها المذهبي القومي.
وتركيا التي رفعت راية (الإسلام السياسي) ودعمت في البدايات الثورة السورية رأيناها أخيرًا ترعى اتفاقات أقل ما يقال عنها إنها “اتفاقيات استسلام” بعد إبادة.
وروسيا بوتين التي قلبت موازين الحرب السورية ورجحت كفَّة الأسد على حساب دماء شعبه وهجرت ودمرت ما دمرت في سورية، نشاهدها اليوم تدعم موقف إيران “حتى لو عن مصلحة وقتية” أمام الدول الكبرى والمجتمع الدولي.
كل ما جرى ويجري يجعل الإدارة الأميركية تضرب بعرض الحائط مصالح أوروبا المرتبطة بدورة اقتصادية ضخمة مع إيران، ويجعلها تُهدي شيئا للدول العربية الخائفة من “الغول الإيراني” لكن ما الذي يُخيف واشنطن من عدم التزام إيران بالاتفاق خاصة بعد تأكيد فرنسي-أوروبي على التزام الإيرانيين بالاتفاق النووي؟
أمريكا ليست خائفة من إيران أو غيرها، كل القضية أن الإدارة الأمريكية الجديدة تريد أخذ نصيبها من “خمس الولي الفقيه” في إيران خاصة بعد دفع العرب للضريبة، وتغير الموجة الكورية الشمالية، والابتزاز الحاصل للأتراك بالقضية الكردية، والخوف الأوروبي من ترامب.
إن المبدأ الوحيد لدى ترامب أن على العالم كله دفع وتقديم الأموال والأتاوات لأمريكا ليبقى العالم محميًّا من الدمار والحروب، ومن لا يدفع فينتظره مصير دول عديدة أصابها الدمار وأسقطتها الحروب، وهنا يكمن التساؤل: لماذا لا تدفع إيران مثلها مثل دول المنطقة؟ ألم نجعل لها مساحة فارغة لتمارس ألاعيبها ويتجاوز نفوذها حدود أربع عواصم عربية؟! ألسنا من قدمنا لها العراق لتحوله إلى بؤرة مذهبية فاسدة وتركناها تقتل الشعب السوري وتدعم حزب الله وغيره؟!
لقد حان الوقت لتدفع إيران ثمن ممارستها “للبلطجة” في الأرض العربية وتفهم أن الزمن الحالي هو زمن سقوط الأقنعة ودفع المليارات لإدارة ترامب، هكذا يقول لسان حال الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، نعم، إنه زمن ترامب يا سادة!