باسل عبود |
في ظل الحملة الشرسة التي يقودها نظام الأسد على محافظة إدلب وريف حلب، يبدو أن أنقرة أدركت متأخرة خداع موسكو لها ونقضها لاتفاق سوتشي الموقع بين البلدين قبل عامين بخصوص المنطقة ومن قبله اتفاق آستانة بين الدول الضامنة.
تركيا تبدو اليوم في وضع لا تحسد عليه نتيجة ترددها في الملف السوري ووثوقها بالاتفاقيات الثنائية مع روسيا، إذ لديها اليوم عشر نقاط مراقبة محاصرة من قبل قوات النظام، ومئات آلاف النازحين على حدودها وعددهم في ازدياد كلما اقتربت المعارك باتجاه الحدود، في ظل إصرار روسي على حسم المعركة عسكريًا مهما كلف الثمن وعلت الأصوات المعارضة لذلك.
إن استمرار الوضع الراهن يترتب عليه عدة أمور جميعها كارثية بالنسبة إلى تركيا، فسيطرة النظام على محافظة إدلب ستؤدي بالضرورة إلى موجات نزوح ضخمة نحو الداخل التركي، كما أن النظام لن يقف عند الحدود الإدارية لمحافظة إدلب بل سيسعى لاستعادة كل مناطق المعارضة (درع الفرات، وغصن الزيتون ، ونبع السلام) وهذا ما لوح به أكثر من مرة، ما يعني عمليًا إعلان خسارة تركيا في الملف السوري وزعزعة أمنها القومي، وهذا الأمر تعارضه حتى المعارضة في تركيا؛ لأن ذلك سيعيد الوضع على حدود تركيا الجنوبية إلى المربع الأول، فالنار المشتعلة في سورية سرعان ما ستمتد إلى الداخل التركي إن حدث ذلك، بالإضافة إلى خسارة تركيا موقعها السياسي والعسكري بصفتها قوة إقليمية، فالسياسة التركية كلها اليوم على المحك؛ لأن سمعة وهيبة الدولة التركية ليست فقط في سورية بل في ليبيا وسائر الإقليم، وهي تُدرك كل هذا جيدًا.
الأصوات التركية المهدِّدة بالحرب ماتزال تتعالى ضد نظام الأسد لخرقه الاتفاقات الموقعة، مع استمرار الأرتال العسكرية بالدخول إلى إدلب بشكل يومي مع قرب انتهاء المهلة المعطاة من قبل تركيا للنظام حتى نهاية شباط الحالي للانسحاب إلى حدود اتفاق سوتشي، بالإضافة إلى المهلة الأولى المعطاة لفك الحصار عن نقاط المراقبة المحاصرة التي انتهت بدون تنفيذها، بل على العكس تمامًا زاد عدد النقاط المحاصرة.
إن نظام الأسد ومن خلفه روسيا لا يباليان بهذه المهلة مطلقًا لإدراكهما أن تركيا غير مستعدة للحرب بمفردها في ظل عدم وجود مظلة شرعية لتدخلها رغم وجود تأييد للناتو حاليًا، والوضع الاقتصادي التركي لا يسمح على الأقل في المدى المنظور خوض حروب جديدة وبالأخص ضد المصالح الروسية، إذ إنها تحملت العقوبات الاقتصادية وتخلت عن صفقة طائرات F35 مقابل الحلف مع روسيا.
النظام وروسيا ينظران إلى الحشد العسكري التركي من باب تحسين شروط التفاوض لا أكثر، وقد وصف رأس النظام السوري في خطابه الأخير التهديدات التركية بأنها فقاعات إعلامية لا أكثر، بينما أنقرة تصرُّ على عزمها فتح المعركة إن لم يتراجع نظام الأسد خلال المهلة المعطاة له مع التأكيد على عدم الرغبة في التصادم مع روسيا في إدلب، والمعارك التي تحدث بين فينة وأخرى وآخرها اقتحام بلدة (النيرب) منذ يومين وعدم اكتمال حيثيات المعركة، خير دليل للعودة إلى الدبلوماسية، فما يحدث من أشباه معارك واستعراض عسكري ليس سوى أوراق جديدة للتفاوض من جديد.
خلاصة القول تركيا أمام خيارين: إما أن تقوم بعملية عسكرية واسعة وتتحمل تحدياتها ومخاطرها مثل روسيا وإيران بغض النظر إن صدق الناتو بالوقوف إلى جانبها أم لا، أو ألا تقوم بذلك وتقتنع باتفاق دبلوماسي آخر يُعد مهينًا ومؤقتًا وغير مضمون مع روسيا، وفي هذه الحالة لن تخسر نفوذها ووجودها في سورية فقط، لكن ستنكفئ بصفتها قوة إقليمية إلى داخل حدودها، وربما توصف على أنها هزيمة كبرى من دون حرب.