جهاد جمال
تتداول الوسائل الإعلامية في هذه الأيام أخباراً تتضمن تصريحات صادرة عن مستويات عليا في الحكومة التركية، تناولت الموقف الأمريكي والدول الغربية تجاه محاربة الإرهاب في سورية.
ومن هذه الأخبار ما قاله رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم: ” إنَّ الجيش التركي يملك صوراً وأدلة تؤكد دعم الولايات المتحدة لتنظيم الدولة الإسلامية عسكرياً” وكذلك ما قاله وزير الدفاع التركي: ” إنَّ عدم تقديم التحالف الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية الدعم اللازم لعملية ” درع الفرات ” أمرٌ يثير العديد من التساؤلات حول مصداقيتهم في مكافحة الإرهاب في سورية”.
وطبعاً قامت الخارجية الأمريكية بالرد على هذه التصريحات بالقول: ” إنَّها تصريحات غير مسؤولة وسخيفة”.
والحقيقة أنَّ المتتبع للعلاقة التركية الأمريكية الحالية يرى أنَّها تسير نحو التدهور شيئاً فشيئاً لعدة أسباب أهمها: الدعم الأمريكي اللامحدود سواء أكان عسكرياً أم سياسياً وحتى لوجستياً للأحزاب الكردية الانفصالية، بهدف إنشاء الدولة الكردية المنتظرة في شمال سورية، الأمر الذي ساعد هذه الأحزاب على الاستيلاء على الكثير من المدن والقرى العربية من عفرين وحتى القامشلي بالقرب من الحدود التركية، وهو ما يعتبر عند تركيا خطاً أحمرَ بسبب التهديد الكبير والحقيقي للأمن القومي التركي من جهة، ومن جهة أخرى التحسس التركي من تورط أمريكا بمساعدة الانقلابيين لقلب الحكم في تركيا بدليل المماطلة الأمريكية بتسليم فتح الله غولن المدبر الرئيسي للانقلاب، كما أنَّ تركيا باتت على يقين تامٍ بعدم جدية أمريكا بمحاربة الإرهاب في سورية، حيث ترى أنَّ تركيز حربها هو في العراق بدليل تحقيق تقدمات واسعة هناك، والوصول إلى عقر دار داعش الرئيسي، بينما في سوريا ترى أنَّ العمل الجاد للتحالف يكمن فقط في الجبهات التي تشارك بها الأحزاب الانفصالية الكردية ما يظهر أنَّ الهدف الأساسي لأمريكا هو إنشاء الدولة الكردية مع الحدود التركية، وإنَّ الدعم المقدَّم للدواعش يستخدم فقط في المعارك مع الجيش الحر، وإنَّ الهدف ضرب الجيش الحر وداعش ببعضهم لإنهاكهم، وبالتالي توفير الفرصة المواتية للأحزاب الكردية للانقضاض على الطرفين وإنهائهم وإقامة الدولة الكردية، فضلاً عن أنَّ المراقبة اللصيقة للجيش التركي لساحات المعارك تظهر بكل وضوح بأنَّ الغارات الجوية للتحالف لا تضرب الأماكن الحساسة للدواعش، مثل مقرات القيادة ومقرات الاتصال والتجمعات الكبيرة لعناصر داعش، بل تكتفي بدور تمثيلي عبر القضاء على بعض العناصر الفردية ليقوم الإعلام الأمريكي بتضخيم أهمية الشخصية لإظهار جدية محاربة الإرهاب وهو عكس الواقع تماماً.
من هنا أدركت تركيا الدور الخبيث الذي تلعبه أمريكا ضدها، لذلك ولتلافي المواجهة مع أمريكا اتجهت نحو المصالحة مع روسيا، وإيجاد الأرضية المشتركة بينهما لتحقيق مصالحهما في سورية، لا سيما أنَّ تركيا أدركت أنَّ أمريكا لا يهمها من القضية السورية سوى الموضوع الكردي، ولن تدخل مع روسيا في مواجهة لتحقيق هذا الهدف، فضلاً عن وجود الهدف المشترك الذي يجمعهما وهو المحافظة على وحدة سورية، والذي يحقق لهما أهدافاً معينة، طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار وجود مصالح منفردة لكلا الدولتين، مثل الإبقاء على القواعد العسكرية الروسية في سورية وهي آخر معاقل روسيا المطلة على البحر المتوسط، والتي تهدف من ورائه تهديد الدول الغربية في حال حدوث مواجهة بينهما، إضافة إلى المحافظة على العقود المغرية للبترول والغاز التي قدمها النظام السوري لها.
أما بالنسبة إلى تركيا، فمصالحها تتجلى أولاً -وكما ذكرنا سابقا- بنسف المشروع الكردي، إضافة إلى إنشاء المنطقة الآمنة في الشمال السوري بهدف إنهاء ظاهرة النزوح لديها، والتي أثقلت كاهلها اقتصادياً واجتماعياً، ومن ثم وضع المنطقة تحت الوصاية التركية، وأخيراً التشارك مع روسيا بعقود إعادة إعمار سورية لكسب مبالغ هائلة من هذه العملية.
وفي ظلِّ هذه التجاذبات الدولية تطرح العديد من التساؤلات لدى الشعب السوري الحر أهمها: ما هو مصير الثورة السورية في ظلِّ كلِّ تلك التعقيدات؟ ولصالح من ذهبت كلُّ تلك التضحيات التي قدمها هذا الشعب العظيم؟