غسان الجمعة |
تستمر ميليشيات النظام بإسناد إيراني وروسي بالتقدم في أرياف إدلب وحلب على الرغم من الاعتراض التركي على نواياها التي نسفت كل الاتفاقيات المبرمة حول المنطقة، بل إن تمادي النظام السوري بقتل جنود أتراك بضوء أخضر روسي اعتبرته الرئاسة التركية منعطفًا خطيرًا في الملف السوري، وأنقرة تعي تمامًا أن ميليشيات الأسد لا تجرؤ على هكذا استفزاز بدون أوامر روسية.
تركيا التي كانت تَعتبر (يوماً) أن الوضع في إدلب يرتبط بأمنها القومي باتت اليوم مثقلة الكاهل، ليس لموجات النزوح والوضع الإنساني على حدودها ومناطق نفوذها في الشمال، بل لأنها وجدت نفسها ممسكةً بأوراق محترقة وفاتورة خاسرة لمراوغاتها و ضبابية مواقفها على الأرض والاستثمار بالتصريحات والمواقف الدبلوماسية أكثر منها في الحراك العسكري، وذلك من أول صمت لها عن عملية تهجير إلى آخر مؤتمر لآستانة عقدته، وهو ما عبر عنه المبعوث الأمريكي (جيمس جيفري) الذي قال إنه حذر الرئيس التركي من خداع بوتين له، حيث ورطت تركيا نفسها في فخ المصالح الهشة التي رسمها بوتين للإدارة التركية كإجراء تكتيكي مرحلي لا أكثر.
وعلى الرغم من ذلك فإن تحرك أنقرة بتعزيز قواتها في إدلب والبدء باعتماد سياسة الأمر الواقع على الطريقة الروسية يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، فأن تصل متأخرًا خير من ألَّا تصل أبداً، و أول ثمار هذا التحرك هو الدعم الأمريكي لتركيا باعتبارها عضو في حلف الناتو، فالمصالح الإستراتيجية والشراكات الحقيقية لا يمكن حسابها في ظل هذه الظروف بالقراءات التنظيرية والأحلام البعيدة، بل تترجم حقائق بلغة التحرك على الأرض واتخاذ القرارات الملموسة وخصوصاً في ظرف الحالة السورية، حيث تقاس التفاهمات المبنية على المصالح والشراكات باعتراض الدبابات والسيطرة على الأجواء واحترام مناطق النفوذ والسيطرة، لا بالدوريات وتحديث الخرائط بسياسة القضم الممنهج والإقصاء الناعم.
إن المهلة الواسعة التي أعطاها الرئيس التركي للنظام السوري بالتراجع إلى خلف النقاط التركية التي حاصر منها الأسد تسعة حتى تاريخ اليوم هي بالحقيقة مهلة تحديد مسار جديد للسياسة التركية في تعاملها مع الملف السوري، وربما هي خطوة أولى في حسم التوجه الكامل نحو أحد قطبي الصراع العالمي (روسيا – الولايات المتحدة).
وفي هذا الوقت تتساوى فرص الانكفاء التركي في إدلب لصالح المحور الروسي في المنطقة مدفوعة بالتوجس التركي من النوايا الأمريكية بدعم قسد في شرق الفرات مع فرص انقلاب السياسة التركية نحو الفلك الأمريكي بتفاهمات جديدة يتم فيها أولاً قلب الطاولة على النظام السوري وحلفائه على الرغم من محاولة أنقرة حفظ ماء الوجه الروسية في حال صدامها مع النظام باستثناء القوات الروسية من حالة الرد التركي المتوقع كما صرح وزير خارجية تركيا (جاويش أوغلو) إلا أن ذلك شبه مستحيل على أرض الواقع، فالقوات الروسية هي من تقود ميليشيات الأسد على الأرض وتدير غرف عمليات محاور القتال، وأي اشتباك تركي مع ميليشيات الأسد سيتسبب بخسائر روسية مباشرة.
في حين إن خيارات المعارضة السورية في إدلب باتت ضيقة للغاية ومرتبطة بنتيجة الحركة التركية القادمة سواء كانت سلبية أم إيجابية بخصوص المحافظة المنكوبة، بينما يرى الشارع هذه المهلة من منظور المثل الشعبي ” كلام شباط ما عليه رباط”.