نورس أبو نضال
يدافع الإنسان عادة عن ملكه بكلِّ طاقاته وبكلِّ ما تتيح له ظروف الزمان والمكان من أفعال وأساليب لحماية حقه الأساسي هذا واسترداده، ويكون مستعداً لدفع روحه فداء لحقه المقدس الذي كفلته له التشريعات الأرضية والسماوية.
وتتعدد أنواع ملكية الإنسان بين ملكية فردية وبين ملكية عامة يكون فيها واحداً من جماعة مالكة هي مجموع المواطنين.
وحيث إنَّ طرق المعتدي في الاعتداء على ملكية الآخرين تتعدد وتتنوع سطواً وسلباً، وسرقة وإساءة للأمانة، وغصبا ًللعقار بين خفية أو علانية، فإنَّ طرق الإنسان في الدفاع عمَّا يملك تتنوع أيضاً، وتتفاوت درجات الاستعداد للتضحية في خوض هذا الصراع بين فرد وآخر، وبين مجتمع وآخر.
فترى أنَّ الفرد من أبناء شعبنا السوري يتمسك ويدافع عن ملكيته إذا تعرضت لاعتداء، ولا يترك وسيلة إلا ويلجأ لها، وتراه أيضاً يحمل قضيته هذه في كلِّ مجلس يجلسه مستفيضاً ومجيداً في شرح ما أصابه.
ويمضي الزمن وهو مستمر بالبحث والتقصي والسعي والمتابعة في الوصول لحقه المسلوب وإنزال العقاب بمن اعتدى، محاولاً جلب الدعم والتأييد من أفراد المجتمع وأهالي منطقته وصناعة رأي لدى الجميع لازدراء المعتدي واحتقار فعلته وطغيانه.
وعند جهالة الفاعل أو سطوته وجبروته يلجأ بالشكوى لله عزَّ وجلَّ ويرجوه إنزال العقاب بمن سلبه حقه، وقد قيل فيما قيل (ما ضاع حق وراءه مطالب).
كلُّ ذلك الإصرار والبسالة في الدفاع ينبع من شعور أبناء مجتمعنا بمرارة الظلم وقدسية القضية ومشروعية السير بهذا النزاع.
هذا فيما يخص الملكية الفردية، أمَّا إذا وقع الاعتداء على النوع الآخر من الملكية وهي الأملاك العامة، فترى الدفاع في هذه القضية المقدسة أيضاً يكون قوياً وحاسماً من قبل مؤسسات وكيلة عن أفراد المجتمع في إدارة أملاكه وصونها وحمايتها في الحالة الطبيعية.
لكن واقعنا الحالي في ريفنا الغربي المحرر من مدينة حلب مثلاً وقد يكون بمناطق أخرى أيضاً، يتمثل بحقيقة ضعف أو غياب أو تقصير تلك الجهات في خوض هذا النزاع مع المعتدين.
وهنا يمكن السؤال: هل يتوجب على الأصلاء خوض صراعهم بأنفسهم إن عجز الوكيل عن أداء مهامه؟
فإن كان الجواب نعم، فما وسائل أفراد المجتمع في ردع المعتدين واستعادة الممتلكات؟ وإن كان يتوجب على الملاك ذلك فعلاً؟ لماذا لا ينشب هذا الصراع في كثير من الأحيان والأماكن؟
هل يرجع ذلك إلى فكرة ترسخت في عقلنا الباطن وعبر سنين طويلة من الاستبداد والفساد بأنَّنا لا نملك على الحقيقة تلك الأملاك؟ وأنَّنا وإن تملَّكناها حقيقة نرى خوض صراع من أجلها مهمة الآخرين وليست ضمن أولوياتنا كأفراد؟ أيكون ذلك تواكل اجتماعي مثلا؟ وإن كانت تلك التساؤلات بحاجة إلى أبحاث ودراسات وتفصيل وآراء كثيرة.
يبقى سؤال ملح جداً، لماذا لا يفرض عقلنا الجمعي وضميرنا الجماعي عقوبة مجتمعية مبرمة بمقاطعة ذلك الشخص الذي بنى محلاً تجاري فوق رصيفنا أو في حديقتنا مثلاً؟
فيكون الجزاء يعاكس دافعه في الاعتداء اتجاهاً بمنع الربح الذي ابتغاه ابتداءً عنه، أو بالقول لمن ينشر مثلاً على صفحات التواصل الاجتماعي صوراً بغية بيعها أو تقييمها لآثار نملكها وتملكها الأجيال القادمة: “يا أيُّها اللص”.
أليس ذلك أضعف الإيمان أو أقل دليل على اهتمامنا وحرصنا وتألمنا بسلب ممتلكاتنا الجماعية منَّا أو الاستحواذ عليها أو الاعتداء، وقد قيل الألم دليل الاهتمام، أم أنَّ أفراد شعبنا قد ذاقوا أصنافاً من العذاب وتجرعوا كؤوساً من أهوال القتل والتشريد والتهجير والسلب والخطف والاعتقال ما يجعل جراحه المباشرة تغنيه وتشغله عن التفكير في قضايا أكثر بعداً عنه وأقل أولوية.