كثيرٌ من المعارك يخوضها الثوار اليوم في الشمال، وكثير من الجبهات على وشك أن تشتعل، ومعارك كبرى يلوح بها النظام بالتنسيق مع روسيا ليحسم الموقف على الأرض نهائياً كما يقول، وما زالت مفاوضات جنيف قائمة، والهدنة لم يبق منها سوى اسمها الذي صدّعته المعارك المشتعلة في كلِّ مكان.
ليست هذه الصورة سوى مشهد من مشاهد المعركة التي نخوضها دون هدفٍ واضح، إمّا بفتح جبهات لا قيمة لها إلا من الناحية المعنوية، أو بالدفاع عن جبهات أخرى تستــنزفُـنا، وليس لها إلا القيمة المعنوية ذاتها .
قد يقول قائل إن الثوار لم يخوضوا على الأقل مؤخراً سوى المعارك المهمة جداً على جميع الصعد العسكرية والسياسية والاستراتيجية، وإنّ لمختلف معاركهم أهمية كبيرة، فهي إمّا أبعدت شبح الحصار عن المدينة أو أسهمت في استعادة أراضٍ شمال وجنوب هذه المدينة لها قيمة كبيرة في المعركة.
لكن .. لو أعدنا رسم خريطة المعركة، لوجدنا أنّ النظام وداعش والميليشيات الكردية الانفصالية استطاعت استرداد جميع المواقع المهمّة وتركت خوض المعارك التي لا قيمة لها في القرى النائية، ولن أعدد هنا هذه المناطق فما زال الجرح ساخناً وقريباً للذاكرة .
ما أريد قوله: إن المستغنى عنه عندما لا تستطيع الحصول عليه لم يكن مهمّاً في الأصل، وإن المعارك غير محسومة النتائج هي معارك غير ضرورية، وإن تشتيت الجهود في معارك صغيرة على الأطراف يجعل من السهل ضرب الأهداف الاستراتيجية في حين الغفلة عنها، وإن التناغم بين السياسي والعسكري في ضرب الأهداف الاستراتيجية هو الأهم في هذه المرحلة والتي يجب حشد جميع الجهود عليه لضمان الحفاظ على المكتسبات، وإن النصر ليس إسقاط العدو أرضاً لمرة واحدة، وإنّما هو التمكن من الحفاظ على الأرض المحررة، وعلى ذلك يجب أن يكون التخطيط للمعركة يشمل في البداية كيفية الحفاظ على النصر وليس فقط كيفية الوصول إليه .
والأهم من ذلك كلّه: اختر أنت معركتك وفق أهدافك، وإياك أن تخوض حرباً لم تقرر أنت خوضها، ولا تدافع عن مكتسبات بعيدة عن الأهداف التي تحددها، واعلم أن النصر لا يتحقق بحجم الضربات المشتتة، وإنما بتركيزها على النقاط الموجعة لعدوك .
المدير العام / أحمد وديع العبسي