لا يخفى على أحد منَّا حالة الفوضى التي تعيشها المناطق المحررة على كافة المستويات، أولها الاجتماعية التي قامت ببعض وظائفها سلطاتٌ محلية ومنظمات مدنية نتيجة الفراغ الذي تعمدت سلطات الأسد إيجاده في المناطق المحررة، حيث بقي جوهر هذه المنظومة “الأمن – القضاء” فارغاً من معناه الحقيقي على أرض الواقع نتيجة تحديات سياسية وعسكرية وعلمية وأحياناً مادية.
غير أنَّ القرار الذي اتخذته الهيئة القضائية لحركة أحرار الشام باعتمادها القانون العربي الموحد خطوة مهمة في سدِّ هذه الثغرة التي حاول البعض في تغطيتها على أنَّه يشوبها الكثير من الضعف والقصور والتناقض وضياع الحقوق، حتى أنَّها فقدت ثقة المجتمع نتيجة الفهم والتطبيق السيء لبعض الأحكام في هذه المحاكم، وانجرار المنظومة القضائية للأيدلوجية والجهة التي أنشأتها، وتسيس أحكامها في بعض القضايا على حساب قواعد العدالة والأحكام الشرعية.
إنَّ اعتماد هذا القانون له من الآثار الإيجابية الكثير على الساحة الداخلية والخارجية، ويمكن تصنيفها على الأصعدة التالية.
- العلاقات الاجتماعية:
القانون ضرورة اجتماعية لكل المجتمعات نتيجة طبيعة العلاقات الإنسانية بين الأفراد وما تحمله من تبادل مصالح وتعاون وخلافات وروابط، وعليه فإنَّ وجود تشريع ينظم ويحكم هذه العلاقات سيؤدي إلى كبح جماح الفلتان الأمني، وخفض مستوى الجرائم والاعتداءات على القطاعين العام (المخدرات – تهريب الآثار- الاستيلاء على الممتلكات العامة – الاعتداء على البنى التحتية..) والخاص (الخطف – السرقة – القتل…)
كما أنَّ وجود مرجعية قانونية واحدة سيسهم في حلحلة الآلاف من القضايا المدنية التي تتعلق بالميراث والعقود وقضايا الأسرة (الطلاق – الزواج – الحضانة) وغيرها، لاسيما بعد التغيرات التي طرأت على تركيبة وظروف هذه العلاقات بسبب الحرب وما نتج عنها من وفاة وهجرة وغياب.
- الاقتصادي:
يوجد في مناطقنا المحررة الكثير من المشكلات الاقتصادية وعلى رأسها إعادة تفعيل المنشآت الصناعية والتجارية الحكومية، بالإضافة إلى تنظيم العمل التجاري الداخلي والخارجي، وتفعيل عمل القطاع الخاص، فالمناطق المحررة لديها بنية قوية من المصانع والشركات التي لايزال بعضها يعمل حتى الآن في ظل هذه الظروف ممَّا يسهم في خفض نسبة البطالة وإعادة تمكين المواطن من الاعتماد على نفسه.
إنَّ وجود قانون يحمي النشاط الاقتصادي في المناطق المحررة سيخفف العبء عن المواطنين من تخبطات انسياب السلع، ويحقق نوعا من الاستقرار الاقتصادي في مواجهة عمليات الحصار والمقاطعة من أي جهة كانت، ويدعم تنظيم العلاقة بين هذه المناطق وكافة الأطراف، كما أنَّه يعزز من فرص استثمار الموارد المتاحة بشكل أفضل ليصب في خانة المصلحة العامة.
- السياسي:
بشكل عام يتجه علماء القانون إلى عدم الفصل بين القانون والسياسة باعتبار أنَّ القانون من الركائز الأساسية للحراك السياسي.
رغم أنَّ الحراك السياسي السوري يقتصر دوره الحالي على الصعيد الخارجي، فإنَّ وجود هذا القانون هو بوابة تشريع لوجود أي شكل من أشكال السلطة في المناطق المحررة، وخصوصاً بعد ظهور مؤشرات عن تفاهمات دولية تقضي باعتماد نظام اللامركزية في المناطق الخارجة عن استبداد سلطة الأسد
- العالمي:
يعتبر تطبيق القانون في المناطق المحررة تجربة حقيقية أمام دول العالم والمحيط الإقليمي بالنسبة إلى إمكانية إدارة قوى المعارضة للمناطق المحررة، واستلام مفاصل الدولة السورية على كافة أراضيها مستقبلاً، وهو ما يشكك به الأسد وحلفاؤه وراهنوا عليه.
وقد نجحت هذه الشكوك في تغير الرؤية الدولية لعملية الانتقال السياسي خوفاً من الفوضى التي قد تحدث، وهذا ما أعلن عنه ماكرون صراحة عندما قال: لا يوجد بديل شرعي للأسد.
أمام هذه الثمار يحتم علينا دعم هذا المشروع، وتذليل الصعاب التي تعترضه لإنقاذ ثورتنا من الفوضى والضياع والوصاية، والعمل على إزالة الغشاوة السيئة للصورة التي جعلت منها ثورة مسلحة تحكم بندقيتها المصلحة الفصائلية وشريعة الغاب.