علاء عبد الرزاق المحمود |
شجرةٌ هناك تسجدُ من غير ذراعين، واسم الله في قلبِ بطيخةٍ مقسومةٍ نصفين، نكتشف بعد فترة أن الشجرة والبطيخةَ وغيرها من الصور كلها مفبركة، ونحن وقعنا بالفخ، نعم وقعنا لأننا صدقنا ذلك وأرسلنا الرسالة إلى عشرة أشخاص كما قالوا لنا في نص الرسالة، ولم يأتِ الفرج بعد.
أظنّ أنَّه يكاد لا يخلو شخص إلا وجاءته هكذا رسالة أو ما يشابهها على اختلاف ترتيب كلماتها ورصفها، وغالبًا ما تراها محفوفة بزخرف الكلام الذي يُبكي العيون، نحو “أسلم عشرة من السنغال بعد أن شاهدوها، كنْ سبباً في إسلام الآخرين وأرسلها لعشرة، لا تجعلها تقف عندك، إياك أن تتجاهلها، لم يرسلها فلانٌ فكسرتْ إصبع قدمه اليسرى بعد ذلك..”
هل ضاقت علينا أبحاث الأمة كلّها وتقدّمها ولم يخبرنا نبينا بذلك قبل مئات القرون؟! هل وصل بنا الجهل إلى هذا المطاف لتصديق هكذا رسائل؟!
هذه الظاهرة أُسميها (التسوّل الدّينيّ) وما أشبه الحاضر بالأمس، حين شاهد أحد الصالحين لصّاً يسرق تفاحةً ثمَّ يتصدق بها، عجب له وعجب من فعلته، سأله: كيف تسرق وتتصدق في آنٍ واحد؟ فأجابه: أسرق والذنب واحد وأتصدَّق والحسنة بعشر أمثالها، وأنا الرَّابح، فقال له: اللّه طيبٌ لا يقبل إلا الطّيب.
كيف يقبل منك اللّه هذه الحسنة إن كنت تظنّ أنَّها حسنة حين تجبر النَّاس على الصَّلاة على النَّبيِّ، أو تكرههم على الفضيلة، ثم تقول لهم لا تنسَ أنّك أقسمت؟!
إنَّها انتكاسة الفطرة، وانعكاس المفاهيم، والاستخفاف بالعقول، وتشويه الدّين الذي انتشر بالكلمة الطيبة والفعل الحسن والأخلاق الكريمة، ولم ينتشر يوماً برسالة كاذبة أو بكلمة معسولة دُسَّ فيها السُّمّ بالمكر والخداع.
إنني أذكر جيداً أحد اللّوحات المصورة، التي قدمها الفنّان (ياسر العظمة) الّتي تحكي قصة تاجرٍ في دمشق، هذا التاجر الذي امتلأت مستودعاته بالورق الأبيض، حتى تكدّس فيها وثقل الحمل على قلبه وجيبه، فخطرت له فكرة مجنونةٌ، كتب على أحد الأوراق قصةً من نسج خياله، ثم ذيّلها: (أرسل هذه الورقة إلى خمسة عشر شخصًا وسيتغير حالك للأفضل، إن كنت شابًّا ستحصد المال، وإن كنتِ شابَّة عزباء ستجدين شاباً يدق باب أهلك) واختار لهذه المهمة رجالاً ممَّن يجيدون التَّمثيل والكذب، انتشرت الرسالة كالنار في الهشيم، فنفدت المخازن، وامتلأت مرة أخرى، وازدادت أرباحه واستحقَّ رجاله المكافآت.
إلى من نعزو هذه الانتشار؟ إلى مكر التاجر الَّذي فاق مكر الثَّعلب أم إلى جهل المخاطَبين والأفراد؟
المشكلة تكمن في المقام الأول بالجهل الذي خامر العيون، وأغلف القلوب، هذا السد المنيع الذي خلقه الوهم والخرافة المتوارثة عبر الأجيال، ولا بد لهذا الإرث أن يفنى ويضيع، لا بارك اللّه به وبمن ورثه.
هناك البعض ممَّن هم أشد صحوة من اللازم، يُفسرون الأمر على أنه قوى غامضة تنشر هذه الأكاذيب، وهم يقصدون (الماسونية العالمية) هؤلاء هم أشدّ خطراً من الجاهلين، يا ليتهم بلّغوا الرّسالة ولم يعملوا عقولهم في التّحليل والاستنتاج.
نحن نقف على طرفي نقيض، إما الإفراط أو التفريط، لا وسط نسلكه أبداً، ولا خيراً نتقفَّى أثره بين باطلين، الحلّ الوحيد والخلاص من هذه الحفرة التي وقعنا بها، هو العلم، أن نعبد اللّه على علم، وأن نعمل على علم، فالعلم قبل كلّ شيء، والعمل بلا علمٍ كمن يزرع في صحراء شجرة رمان، لا هي ستطعمه ولا هو سينال ظلّها وثمرها.
إذا بلغتك مقالتي هذه، أرسلها إلى عشرة أشخاص، وادعو لصاحبها بالهداية، لا تتجاهلها، أحدٌ ما تجاهلها فَشوهدَ مكسور اليد الوسطى بين جنبيه!!
2 تعليقات
حسام
مقال رائع
مشكور دكتور علاء
Mohammad
ممتاز الله يحميك احسنت