بقلم : وليد العربيلطالما قلنا: إنَّها شدَّة وتزول، ولكنَّها تتعقد وتطول.نعود ونقول (بدها صبر) فنرى أشلاء وضحايا وأناسا خائفين وميتين، فنسارع إلى حزم الحقائب، جماعات باتجاه تركيا، وجماعات باتجاه النظام الذي يعتقلهم ويصفهم بأبشع الصفات ويقتلهم، ومع ذلك يتسابقون ليناموا في أحضانه.عاد الصيف وعادت البراميل، سماء صافية وشمس دافئة وهواء عليل، ولكنَّنا محرومون منها، فبراميل الموت تحمل الدمار والرعب والموت الذي لا مفرَّ منه، فبات يؤرقنا ويقضُّ مضجعنا، وغدا حالنا صعبا نخوض حرباً قيل إنَّها الأشرس، فكيف السبيل إلى النصر؟ هنالك حلٌ وحيدٌ ألا وهو الصبر.فها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير مثال لكل زمان وحال، حاربه قومه، فصبر وصمد بوجههم وحده، كذَّبوه بعد أن كان لقبه الصادق الأمين، فجعل له الله الصديق أبو بكر سنداً فصدقه، فازداد عدد الصحابة والناس المؤمنين برسالته، فاتهموه بالسحر والشعر، فازداد الضغط عليهم وعُذب وصُلب أصحابه، خاف عليهم أن يضعُفوا ويرجعُوا عن دين الله، فأمرهم بالهجرة، فهاجروا وازداد عددهم ونشروا دين الله.سيقول السفهاء منَّا طال الأمد وضقنا ذرعاً بأربع سنوات وخامسة قد دخلت على فقر وجوع وغربة في أرضنا، والجواب: هل النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منا حالًا؟! دامت غربتهم وبعدهم عن بيت الله المعمور (ثمانسنوات)فصبرهم وصدقهم بعد الله ورسوله فتح لهم أبواب مكة ودخلوها بعزة وقوة، ولكن متى أتى نصر الله؟ بعد صبر طويل.فما لنا اليوم نستعجل نصر الله ونحن لم نمتحن مثلهم بعد؟! وإن كنَّا مررنا بشيء ممَّا مرَّ عليهم فهل نحن مثلهم نشبههم بأقوالهم وأفعالهم ولو بنسبة واحد بالمئة؟! قطعاً لا، نحن ضيَّعنا دين الله فضيعَنا الله وابتلانا بالمعاصي والخوف والرعب والموت أشلاء، وكل هذا من أنفسنا محقق بقوله تعالى )وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( فمتى عدنا إلى دين الله وأقمنا شرعه بحذافيره أتى الله بنصره، لا نصر لواء فلان ولواء علان، وأيَّدنا بجنود من عنده تشدُّ أزرنا وترعب أعداءنا، ليس بجنود مرتزقة همُّهم إنجاز مهمتنا وطمس هويتنا، فنبقى تابعين لهم مدى الحياة.فعلينا بالصبر وعدم استعجال النصر، ففي أوَّل الثورة عاد كثير منَّا إلى دين الله، وبدأنا بتطبيق سنن النبي r ولكن لم يأتِ النصر، وذلك -والله أعلم- لقوله )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ( أي الله عزَّ وجلَّ سيختبرنا حتى يظهر المُطيع لأوامر الله من العاصي، ويأخذ كل واحد نصيبه والبشرى في الآية للصابرين، وليس للهاربين إلى أراضي النظام ودول الجوار، فهي للصابرين وليس للآثمين، وليس لجماعة (أنا مالي علاقة وخلي الثوار يكملوا المشوار) فكلنا معنيون بالنصر وفرحته، ولن يكون حكراً على أحد، فعلينا بالصبر والعمل لننهي الأمر، فالتقاعس والسلبية صفات تجعل الصبر بلا جدوى، فهيَّا تفاءلوا، واشحذوا الهمم، وبشِّروا ولا تنفروا، حرِّكوا أنفسكم وشبابكم ومجتمعاتكم، فبالصبر والعمل نعيد لأمتنا مجدها، ونعيد لأرض الله دينها الذي يرضاه.
أبو علي الأنباري
إذا اشتدّ عسرٌ فارجُ يسرًا فإنّه
قضى الله أنّ العسرَ يتبعه يسرُ
إذا ما ألمَّت شدّةٌ فاصطبر لها
فخيرُ سلاحِ المرءِ في الشدّة الصبرُ
وإنّي لأستحيي من الله أن أرى
إلى غيره أشكو إذا مسّني الضرُّ
عسى فرجٌ يأتي به الله إنّه
له كلّ يومٍ في خليقته أمرُ
فكن عندما يأتي به الدّهر حازمًا
صبورًا فإنّ الخيرَ مفتاحه صبرُ
فكمْ من همومٍ بعدَ طولٍ تكشّفتْ
وآخرُ معسورِ الأمورِ له يسرُ