وسام العسير
في زحمة (الحرب على الإرهاب) وما يجب القيام به لمواجهته، ينظر المجتمع الدولي إلى الإرهاب ويتفحص جذوره ويدرسها بعين واحدة، ويسعى مجلس الأمن إلى كتابة تعريف الإرهاب وتحديد ملامح وجهه وتعميمها لإيقافه عند حده، ففي حين توضع الخطط وترسم المسارات لمواجهة تنظيم الدولة (داعش) يتناسى الإرهاب الأصل المتمثل بالميليشيات الطائفية في كلٍّ من سورية والعراق واليمن ولبنان، تلك التي تدعمها وتمولها إيران، فتبقى النظرة ضيقة والنتائج معدومة، ويبقى الإرهاب ولادا متزايدا يوما بعد يوم.
معلوم أنَّ تنظيم الدولة يقدم خطابا يحض على مناهضة الشيعة ويدعو إلى قتالهم باعتبارهم طائفة كفر، ويقوم بعمليات التجنيد لقتالهم، ويحرض على ذلك بخطاب طائفي حماسي، لكن لا بدَّ أن نعلم أيضا أنَّ إيران وأذيالها يقومون بالعمل نفسه تجاه أهل السنة وزيادة قبل ظهور تنظيم (داعش)، إذ إنَّهم يدعون منذ القديم إلى الثأر للحسين الذي قتل في معركة كربلاء، ففتحوا أبواب الإجرام على مصراعيها لكل مريض نفسي يريد أن ينتقم لأشخاص ربَّما لا يعرفهم، من أشخاص لا يعرفون ما كربلاء وما قصتها ومن قتل من فيها!
ولأنَّ حزب الله اللبناني بات اسمه لامعا في الأوساط الشيعية، وله دور كبير في الحرب السورية، سنأخذه نموذجا لتتبع عقائده واستراتيجياته المتبعة منذ نشأته، وعلاقتها بالإرهاب وصناعته.
تأسس حزب الله اللبناني سنة 1982م بدعم مباشر من جمهورية إيران الإسلامية على أنَّه حزب مقاوم لإسرائيل، وقد وضعت استراتيجيته لتشكل هوية شيعية عربية تابعة، ولذلك اعتمد الحزب على ثلاث ركائز أساسية في العمل، وهي: الاقتصاد والمال- العقيدة والبعد الديني- المشروع العادل (ولاية الفقيه).
– الاقتصاد والمال، فقد امتلك الحزب اقتصادا قويا خاصا به مستقلا عن الدولة اللبنانية الضعيفة، وقدم خدمات متنوعة للمجتمع الشيعي، ممَّا أدَّى إلى استقطاب مجموع الشيعة من مؤسسات الدولة، ليصبح الحزب الأب الروحي للشيعة والمعيل الحقيقي والراعي الرسمي لهم، وقد ساعدت الحرب الأهلية ومخلفاتها في لبنان التي أنهكت الدولة على جعل المال محركا أساسيا وعاملا فعالا لنشاطات الحزب، ودعاية قوية له.
– العقيدة والبعد الديني، من خلال ربط أعمال الحزب ومشاريعه التي تتبنى المقاومة والممانعة بتاريخ الشيعة وحروبهم القديمة، وتشكل معركة كربلاء التي قتل فيها الإمام الحسين رضي الله عنه أساسا لخطاب المظلومية والثأر له ولجميع أنصاره وشيعته، ويصور حزب الله نفسه أنَّه من شيعة (علي) و(الحسين) وهم الذين سيتولون عملية القصاص من أهل السنة.
– المشروع العادل (ولاية الفقيه)، وذلك بربط حزب الله والشيعة العرب في لبنان بمشروع أعدته إيران وهو مشروع سياسي يعتمد على حاكمية الفقيه في عصر غيبة الإمام، فينوب عنه في قيادة الأمة وإقامة حكم الله، وإيران في نظر لشيعة هي البلد الوحيد الذي يحكمه الفقهاء بالشريعة وهي الممثل الوحيد للمسلمين والحامي لهم، وقد تمَّ تثبيت هذه العقيدة في نفوس اللبنانيين من خلال ربط المناسبات الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية بمشروع إيران السياسي الديني، وبربطها بخطاب المقاومة، فتحولت المناسبات في لبنان إلى دعايات للشيعة وبرامج (غسل أدمغة) و صنع رأي عام.
ولقد أدَّى هذا كله إلى جعل المجتمع الشيعي مجتمعا سياسيا، سياسة مختلطة بالخطابات المقدسة التاريخية ومبدأ التقية الكبير، وقد استخدم هذا الخطاب بشكل واضح ومؤثر في حرب تموز سنة 2006م فأصبح الشيعة أكثر إيمانا بمشروعهم، بل إنَّ بعض أهل السنة انجذب نحو هذا الخطاب وقام بتبنيه.
وعندما أطلق (حسن نصر الله) عام 2013م بحماسة دينية دعوته إلى معركة الدفاع عن المقدسات ونظام بشار الأسد، توجه الآلاف من مقاتلي الحزب إلى سورية، المشحونين بالحقد القديم والكراهية والطائفية، ولعبت الآلة الإعلامية على منح الحرب السورية صفة القداسة مستندة إلى دوافع انتقامية واللعب على العواطف من خلال التركيز على مظلومية أهل البيت وشيعتهم، وشحن الشيعة بالفوبيا السنية أو بالرهاب السني، فهيمنت فكرة الملحمة الكبرى ورفعت رايات الثأر للحسين.
لكن على الرغم من مرور سنوات على وجود حزب الله في سورية إلا أنَّ الطموح الشيعي القديم قد تحول إلى واقع أسود عقيم، فأنهكت الحرب قوى الحزب وقتلت خيرة شبانه وكسرت الأوهام المركبة في العقول، وبدأ الخطاب المقدس بالانهيار، الأمر الذي دعا الحزب إلى تخصيص جزء كبير من ميزانيته للعمليات العسكرية وتوجيه قسم كبير منها إلى العائلات المرتبطة بجناحه العسكري، وأصبحت المقاومة ضد إسرائيل خيارا غير مطروح على الطاولة.
تلك الاستراتيجية القديمة كانت تنتج إرهابا بأشكال عديدة، إرهابا لا تشبعه أنهار من الدماء، ذلك أنَّ عقيدة الحزب أو الشيعة بشكل عام قائمة على الدم، والإمام المعصوم الثاني عشر لا يقبل الخروج _بحسب معتقداتهم_ إلا بعد أن يكثر القتل وتجري دماء أهل السنة بغزارة. أما الاستراتيجية الجديدة، وبعد خسائر كبيرة تلقاها الحزب في سورية، فإنَّ مصنع تفريخ الإرهاب وصناعته بدأ يزداد، لأنَّ المقاومة تحولت أيضا إلى وظيفة تجذب الباحثين عن المال، والمتعطشين لرؤية الدماء فضلا عن المكاسب الأخرى، فأصبح الإرهاب في ظلِّ حزب الله مأجورا أيضا!
والغريب في الأمر أنَّ إيران تنفق الملايين لإنشاء مصانع جديدة في بلدان عربية، إلا أنَّ قادة تلك البلدان يغطون في سبات عميق، والعالم المتحضر يتجاهل الأمر وكأنَّه شريك في العدد الأكبر من أسهم تلك المصانع الدموية.