قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم أنَّ ما لا يقل عن 1109 أشخاص من الكوادر العاملة في المجال الإنساني فقدوا حياتهم غضون السنوات الثمانِ الماضية، وأنَّ ما لا يقل عن 3984 منهم لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري، واستعرضت فيه أبرز الانتهاكات ضد المجال الإنساني منذ انطلاق الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا في آذار/ 2011.
وذكر التقرير الذي جاء في 25 صفحة أنَّ النزاع المسلح الداخلي في سوريا تميَّز بتحديات غير مسبوقة واجهت المنظمات الإنسانية والعاملين فيها، ويُعتبر على هذا الصعيد من أسوأ النزاعات في العالم، وقد شكَّل هذا بحسب التقرير صدمة إنسانية لعدد كبير من العاملين في المجال الإنساني والحقوقي والإعلامي.
وأكَّد التقرير أنَّ القانون الدولي الإنساني كان واضحاً في منح صلاحيات لتوفير أعمال الإغاثة ذات الطبيعة الإنسانية في النزاعات المسلحة الداخلية أو الدولية، وقد ورد ذلك في البروتوكول 2، المادة 18-2؛ اتفاقيّة جنيف 4، الموادّ 17، 23، و59؛ البروتوكول 1، المادة 70 والقاعدة 55 من القانون الإنساني العرفي.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان “قد يكون بالإمكان ربما تخيُّل منع إدخال المساعدات الإنسانية، بما يشمل ذلك من انتهاك أساسي لحقوق الإنسان، لكن من الصعب جداً تصوُّر قيام نظام بقصف متكرر للمنظمات الإنسانية وملاحقة العاملين فيها وقتلهم، لقد وصل التوحش إلى مستوى مخيف، وأصبحت مهمة إنقاذ وإغاثة المدنيين عملاً يودي بصاحبه إلى الموت، وهذا هو الهدف الأساسي للنظام السوري من استهداف المنظمات الإنسانية؛ ليحقق أكبر قدر ممكن من المعاناة للمدنيين عبر منع أي أحد من إنقاذهم”.
استعرض التقرير حصيلة أبرز الانتهاكات بحق العاملين في المجال الإنساني والمنشآت العاملة لهم منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2019، وطبقاً لمنهجية التقرير فإنَّ الكوادر العاملة في المجال الإنساني تشمل (العاملين في الحقل الطبي من أطباء ومُمرضين ومُسعفين، وصيادلة، ومخبريين، وإداريين، إضافة إلى العاملين في تشغيل ونقل الوسائط الطبية، وكذلك كوادر الدفاع المدني، وأخيراً العاملين في الحقل الإغاثي) في حين أنَّ المقصود بالمراكز الحيويَّة العاملة في المجال الإنساني (المراكز الطبية، ومراكز الدفاع المدني، والمنشآت والقوافل الإغاثية).
وأوردَ التقرير أبرز تحديات العمل في المجال الإنساني في سوريا في غضون السنوات الثمانِ الماضية وأشار إلى أنَّ استهداف العاملين في المجال الإنساني ومعداتهم كان تكتيكاً متبعاً من قبل النظام السوري منذ آذار/ 2011، حيث تمَّت ملاحقة المسعفين والمشافي والأطباء الذين يُقدمون المعونة لجرحى المظاهرات، كما لوحق كل من قام بتأمين مواد طبية، ومردُّ ذلك بحسب التقرير هو أنَّ النظام السوري أدرك الدور الحيوي للعاملين في الحقل الإنساني في تخفيف معاناة المدنيين وتعزيز صمودهم.
أشار التقرير إلى ممارسات النظام السوري في حصار ومداهمة العديد من المشافي والعيادات والمشافي الميدانية التي كانت تقوم بتقديم الإسعافات لجرحى المظاهرات، وذكر أنَّها خطفت العديد منهم من داخل تلك المشافي، كما اعتقلت من الكوادر العاملة فيها، ثم أوردَ التَّحديات الكبيرة التي تواجهها المنظمات الإغاثية، التي تعمل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، كالقصف الجوي من قبل قوات النظام السوري وحلفائه، واستهداف مقرات المنظمات وكوادرها العاملة في الميدان.
واعتبر التَّقرير أنَّ تحكُّم النظام السوري بغالبية المساعدات المقدمة من منظمة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة شكَّل تحدياً كبيراً من نوع آخر أمام المنظمات الإنسانية الوطنية ذات المصداقية العالية، مُشيراً إلى أنَّ مكتب دمشق التابع لمنظمة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة يُدار بشكل رئيس من قبل أولاد مسؤولين في النظام السوري رفيعي المستوى، وأنَّ اعتماد منظمة الشؤون الإنسانية داخل سوريا على الهلال الأحمر السوري يُعدُّ بحد ذاته مصدر تشكيك في عدالة توزيع المساعدات، حيث تهيمن الأجهزة الأمنية عليه بشكل شبه كامل، وأوضحَ التقرير أنَّ القسم الأكبر من المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة تم توزيعها إلى مناطق بحسب رغبة النظام السوري، ولم تكن هي الأكثر تضرراً، وتمَّ التعاون مع المنظمات الوطنية المحلية السورية ذات المصداقية العالية بالحدِّ الأدنى مقارنة مع التَّنسيق الدائم مع الهلال الأحمر السوري.
وإضافة إلى النظام السوري الإيراني الروسي، قامت أطراف أخرى بممارسات شكَّلت تحديات من نوع آخر أمام المنظمات الإنسانية والعاملين فيها في سوريا، فقد اقتحمت عناصر تتبع تنظيم داعش مشافٍ ميدانية ومستوصفات ومراكز تابعة للهلال الأحمر، ومستودعات إغاثية، واختطفت جرحى وأطباءَ ومُسعفين، كما منعت بعض الأطباء من مزاولة تخصُّصهم طبقاً لقوانينها التمييزية، وقتلت كوادر عاملة في المجال الإنساني بتهمٍ متعددة، منها موالاتها للنظام السوري أو تعاونها معه أو مخالفتها سياسة التَّنظيم.
وفقاً للتقرير فقد اقتحمت عناصر تتبع تنظيم داعش مشافٍ ميدانية ومستوصفات ومراكز تابعة للهلال الأحمر ومستودعات إغاثية، واختطفت جرحى وأطباءَ ومُسعفين، كما منعت بعض الأطباء من مزاولة تخصُّصهم طبقاً لقوانينها التمييزية وقتلت كوادر عاملة في المجال الإنساني بتهمٍ متعددة، منها موالاتها للنظام السوري أو تعاونها معه أو مخالفتها سياسة التَّنظيم. كما قامت هيئة تحرير الشام بتقييد العمل الإنساني – العمل الإغاثي منه على وجه الخصوص- في المناطق الخاضعة لسيطرتها شمالاً.
وبحسب التقرير فقد قتل 1109 أشخاص من الكوادر العاملة في المجال الإنساني على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2019، بينهم 872 قتلوا على يد النظام السوري، و91 قتلوا على يد القوات الروسية، فيما قتل تنظيم داعش 47، وقتلت هيئة تحرير الشام خمسة من الكوادر العاملة في المجال الإنساني، وقتلت فصائل في المعارضة المسلحة 30 منهم. وذكر التقرير أنَّ تسعة من الكوادر العاملة في المجال الإنساني قتلوا على يد قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية فيما قتلت قوات التَّحالف الدولي 13 منهم، وقتل 42 على يد جهات أخرى.
وذكر التقرير أن ما لا يقل عن 3984 من الكوادر العاملة في المجال الإنساني لايزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2019، بينهم 3847 لايزالون معتقلين في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، و78 لدى تنظيم داعش، وتسعة لدى هيئة تحرير الشام، في حين أنَّ سجون قوات سوريا الديمقراطية تضمُّ 32 شخصاً من الكوادر العاملة في المجال الإنساني، فيما يقبع في سجون فصائل في المعارضة المسلحة ما لا يقل عن 18 بحسب التقرير.
سجَّل التقرير ما لا يقل عن 1463 حادثة اعتداء على مراكز حيوية عاملة في المجال الإنساني على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2019 النظام السوري مسؤول عن 936 حادثة منها، فيما نفَّذت القوات الروسية 351 حادثة اعتداء، وكانت 27 حادثة على يد تنظيم داعش، و22 على يد هيئة تحرير الشام، فصائل في المعارضة المسلحة من جهتها نفَّذت 24 حادثة، فيما سجل التقرير أربعة حوادث على يد قوات سوريا الديمقراطية، و16 على يد قوات التحالف الدولي، و83 على يد جهات أخرى.
أكَّد التَّقرير أنَّ الهجمات المتعمدة ضدَّ الوحدات الطبية والموظفين الطبيين والأشخاص الذين يحملون شارات مميزة وتحميهم اتفاقيات جنيف والأشخاص العاملين في مجال المساعدات الإنسانية أو بعثات حفظ السلام تُعتبر جريمة حرب، ويدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية مقاضاة مرتكبي هذه الجرائم بموجب المادة 8 من ميثاق المحكمة، وتُشكِّل انتهاكاً للقواعد 31 و32 و45 و55 و56 من القانون الدولي الإنساني العرفي.
وذكر أنَّ جميع الهجمات الواردة فيه تُمثِّل خرقاً لقرارات مجلس الأمن رقم 2139 و2254 القاضيَين بوقف الهجمات العشوائية والقرار2286 القاضي بوقف الانتهاكات والتَّجاوزات التي ترتكب في النِّزاعات المسلحة ضدَّ العاملين في المجال الطبي والعاملين في تقديم المساعدة الإنسانية مُشيراً إلى أنَّ عمليات القصف، قد تسبَّبت بصورة عرضية في حدوث خسائر طالت أرواح المدنيين أو إلحاق إصابات بهم أو في إلحاق الضرر الكبير بالأعيان المدنية. وهناك مؤشرات قوية جداً تحمل على الاعتقاد بأن الضَّرر كان مفرطاً جداً إذا ما قورن بالفائدة العسكرية المرجوة.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بإعادة تقييم درجة خطورة انتهاكات حقوق الإنسان ودرجة تهديدها للأمن والسلام الإقليميين والدوليين، واللجوء إلى الفصل السابع لحماية العاملين والمنشآت في الحقل الإنساني في سوريا والتَّوقف عن اعتبار الحكومة السورية طرفاً رسمياً “بعد أن ارتكبت جرائم ضدَّ الإنسانية” فيما يتعلق بالجانب الإغاثي، والتَّوقف عن إمدادها بالقسم الأكبر من المساعدات المالية والمعنوية، التي غالباً لا تصل إلى مُستحقيها بل إلى الموالين للحكومة السورية.
وأوصى أطراف النزاع ولاسيما الحلف السوري الروسي بالتَّوقف عن قصف المشافي والأعيان المشمولة بالرعاية والمناطق المدنية واحترام القانون العرفي الإنساني وضمان حماية المراكز الحيويَّة العاملة في المجال الإنساني والكوادر العاملة فيها.
وحثَّ التقرير المنظمات الإنسانية العاملة في سوريا على عدم الفصل بين المساعدة والحماية، وأكَّد أنَّ عليها أن تبلغ عن جميع الانتهاكات التي تتعرض لها في أثناء تأدية عملها والتَّهديد باستخدام الإدانة والشجب في حال تكرار الانتهاكات.