عبد الملك قرة محمد |
تتوالى التحليلات السياسية المرتبطة بتطورات الوضع في إدلب وريفها، لكن المشترك بين كل التحليلات انحسار مساحة سيطرة المعارضة السورية. فما هي الأسباب وراء ذلك؟ وهل الأمر مرتبط بتطورات شرق الفرات أم أنه اتجاه آستاني مختلف تماماً عن الصراع حول المنطقة الآمنة؟ هذه الأسئلة وغيرها نطرحها على السيد (جورج صبرة) الذي شغل مناصب عدة في الائتلاف السوري والمجلس الوطني وهيئة التفاوض.
بداية نلاحظ أن محور آستانة لم يتمخض عنه أي قرارات فعلية ولم يناقش موضوع المعتقلين ما هو السبب؟
“دعني أخالفك الرأي، فقد تمخض مسار آستانة عن قرارات وإجراءات، لكنها تخص الدول ومصالحها فقط، وما يجري في إدلب وحولها من بركات آستانا / سوتشي. فمسلسل آستانة بحلقاته الـ 13 كان وبالاً على الثورة السورية بنتائجه الكارثية على الأرض، بدءاً من إسقاط حلب وحتى تطويق خان شيخون وحصارها. ولم يكن الحضور السوري في هذا المسار أكثر من ديكور لازم وشاهد زور على ما يجري.
أما عن قضية المعتقلين، فليس غير واهم وخادع لنفسه وللآخرين إن اعتقد أن آستانة ستعالج هذه القضية أو ستطرق بابها. ومن المؤسف أن يقع بعض الآستانيين من السوريين في هذا الوهم الذي بَشروا به دون وجه حق في محاولة لتغطية مشاركتهم وتبريرها.
ويجدر بالذكر أن مسار جنيف، وهو المسار الأممي الرسمي للعملية السياسية، بجولات المفاوضات السبعة التي حصلت خلال عامي 2016 و2017 لم يستطع أن يدفع هذه القضية إلى الأمام قيد أنملة رغم أن وفد الهيئة العليا للمفاوضات دأب على طرح هذه القضية في قاعة المفاوضات مع الفريق الأممي وعبر الوثائق الرسمية التي قدمت له. ولم يتمكن هذا الفريق حتى من القيام بمجرد زيارة للسجون والمعتقلات للاطلاع على أوضاعها وما يجري فيها. فأي حديث عن تقدم في هذه القضية أو حصول مناقشة جدية لها، لا يعدو أن يكون خداعاً للنفس وللآخرين.”
هل ترون أن مؤتمر آستانة الأخير فاشل ومن يتحمل مسؤولية فشله؟
بالنسبة إلى السوريين جميع اجتماعات آستانا فاشلة، بل مخيبة للآمال ولبعض من شارك فيها أيضاً؛ لأنها بالأساس لم تُوجد من أجل السوريين وقضيتهم. وكيف للسوريين أن ينتظروا خيراً من اجتماعات يُخطط لها وتُرسم وتُدار من أطراف معادية للشعب السوري تقوم بالمذبحة المفتوحة عليه، وتشكل أكبر المسببات للمحنة السورية المستمرة، أعني روسيا وإيران، وها هي الوقائع على الأرض تكشف كل الحقائق.”
هل ترون أن قبول الهدنة بدايةً كان قراراً موفقًا من قِبل المعارضة خاصة بعد نقض النظام له مرات عدة سابقاً؟
“ليست المشكلة في قبول الهدنة وعدم قبولها، المشكلة في القرار السوري (السياسي والعسكري) الذي فقد استقلاله، وهل من أعلن قبول الهدنة هو الذي اتخذ هذا القرار؟!”
النظام يتبع أساليب جديدة في قضم القرى ممَّا يساعده على التقدم، هل ترون أن هذا التقدم هو للسيطرة على إدلب أم أنه ورقة ضغط، وهل إدلب بحسب الاتفاقات ليست للنظام؟
“ليس النظام من يقرر ما يجري أو ما سيجري في إدلب، فهو أداة منفِّذة للخيارات الروسية في كل مرحلة. الأمر كله بيد ” الضامنين ” الروسي أولاً والتركي والإيراني تالياً” وحسب ما تقتضيه المصالح المتباينة والمتحولة لكل طرف، والقضية الأساس التي تُثير الألم والمرارة هم ضحايا أعمال القتل والتدمير والتهجير التي تنتج عن مسلسل هذه العمليات في إدلب ومحيطها، والتي تعقب كل اجتماع في آستانة، وهذه الأعمال من أهداف الروس والإيرانيين.”
برأيكم ما طبيعة الدور التركي في المفاوضات حول إدلب؟ ولماذا تستمر التعزيزات بالدخول إلى إدلب؟ وهل من الممكن أن تتخلى تركيا عن دعم الفصائل أو تنسحب نقاطها في إدلب تحت أي سبب من الأسباب؟
“لا بد من تكرار قول الحقيقة، وهي أن الدول تعمل من أجل مصالحها دائماً، وهذا ما يُحدد العلاقات بين الدول ويرسم قراراتها وتحركاتها. هذه الحقيقة تتقدم على كل ما عداها من معايير الأخوة والصداقة والجوار إلى القيم والمبادئ والأخلاق، وهذه وظيفة الحكومات ومسؤولياتها أمام شعوبها. وليس لنا نحن السوريين أن نتوقع من تركيا أو نطلب منها أن تكون كما نشتهي أو نتوهم وجود علاقة من نوع خاص بيننا وبينها تتجاوز قضية المصالح. رغم أن تركيا (حكومة وشعباً) قدمت للسوريين وقضيتهم ما لم يحصلوا عليه في أي مكان آخر، يبقى موضع احترام وتقدير من السوريين.
ومصير إدلب سيُتحدد وفق حصيلة التفسيرات والرؤى المتباينة للاتفاقات بين الروس والأتراك، والدفاع عن إدلب قضية حيوية ومصلحة قومية بالنسبة إلى تركيا، وهو دفاع عن الإستراتيجية والدور التركيين الآن على الأرض، ومستقبلاً في إطار الحل السياسي، دون أن نهمل دور الموقف الأمريكي الذي يُثير القضية الإنسانية هناك، ويتدخل بشكل غير مباشر عبر قضاياه المعلقة مع الجانبين الروسي .”
يوجد تسريبات حول دخول قوات درع الفرات بصفة قوات ردع وفصل بين الثوار والنظام، هل لديكم أي معلومات حول الموضوع؟
“على الصعيد الواقعي والمعلن، لم تتضح بعد الإجراءات المطلوبة والمتفق عليها بين الدول، وإجراء كهذا لا يمكن لتركيا أن ترسمه وتنفذه لوحدها بعيداً عن التنسيق مع الآخرين.”
لماذا تراجع دور هيئة التفاوض والائتلاف في المفاوضات؟ وهل ترون أن التغييرات الإدارية التي حدثت في الائتلاف تساعد على جعله أكثر ارتباطاً ومسؤولية تجاه السوريين؟
“هذه المرحلة مرحلة التلاعب الدولي المباشر بامتياز، وليس للأدوات المحلية دور يُذكر، وللأسف يتعرض الائتلاف منذ سنوات لنزيف كبير في طاقاته وتغييرات في البنية والمواقف والاصطفاف جعلت سمعته وحضوره بين السوريين على غير ما يُرتجى. وكل مشاريع الإصلاح والتجديد والإجراءات الإدارية المرافقة لم تفلح في تحسين الصورة، ويبدو أن الهوة تتسع بين الائتلاف ورؤية السوريين وإرادتهم.
أما هيئة التفاوض فلم تستطع منذ ولادتها أن تحظى باهتمام السوريين ودعمهم، ولم تحقق حضوراً مقبولاً في الداخل والخارج، بل كانت وباستمرار موضع التساؤل والتجاهل والرفض.”
تصريحات متضاربة حول تشكيل اللجنة الدستورية، ما هو تأثير هذه اللجنة على الواقع السوري، وهل من الممكن أن تساعد على السير في الخط السياسي بدلاً من العسكري؟
“اللجنة الدستورية بدعة روسية أُنتجت في سوتشي من أجل التطاول الروسي على العملية السياسية واختطافها، وحرفها عن مسارها الصحيح في جنيف برعاية الأمم المتحدة ومرجعية القرارات الأممية، وهذا من مؤشرات تعطيل العملية السياسية واحتجازها، وليس لأحد أن يعتقد أو يتوهم بأنها تشكل المدخل للعملية السياسية (رغم التسويق المتهافت والبائس بهذا الاتجاه من أكثر من طرف) فكيف يمكن لهذه اللجنة أن تكون بوابة للعملية السياسية، وهي في الأساس من مندرجات المرحلة الانتقالية وجوداً ومهمة؟!
العملية السياسية رسمت بوضوح في بيان جنيف لعام 2012 والقرارات الدولية اللاحقة بهذا الشأن، التي تتأسس على تشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، وإن لم تتأسس المفاوضات على هذه الغاية وهذا المدخل، فسيبقى ما يجري تمريراً للوقت وتعبيراً عن انعدام الإرادة الدولية وعدم توفر الشروط والظروف اللازمة للحل، ولن يكون لهذه اللجنة (ولو وضعوا لها ساقين من ذهب) دور حقيقي في استحضار الجدية في العمل ووضع الحل السياسي قيد التنفيذ.”
ما هو رأيكم بالدور الروسي في المفاوضات لا سيما بعد أن وجه السيد (أحمد طعمة) الشكر لروسيا على ما تبذله في العمية السياسية؟
“الجانب الروسي غير معني بالمفاوضات بل بتعطيلها وتفشيلها، لأنه مهتم جدياً بتعويم النظام وإعادة تأهيله توفيراً للشروط اللازمة لتثمير تدخله العسكري واحتلال البلاد، وذلك باستثمار سورية كمنصة لوجوده في المنطقة وتحقيق محاصصة وازنة من مقدراتها وثرواتها. وكل مساعيه وإجراءاته على الأرض وفي الفضاء السياسي تصب في هذا المنحى، وهو لا يعترف بثورة السوريين، ولا يعير أي اهتمام لإرادتهم في الحصول على الحرية والكرامة، إنما يرتكب أبشع الجرائم الموصوفة بحقهم، ويعتبر كل من يحمل بندقية ضد النظام إرهابي يجب تدميره، فما علاقة هذا النهج بالسياسية؟
روسيا لا تُخفي عداءها للشعب السوري وثورته، وتعمل فيه قتلاً وتدميراً وتهجيراً. ومن يشكر روسيا على هذا الدور وهذه المهمة، سيأخذ مكانه المستحق والمعروف في تاريخ الثورة وذاكرة السوريين.”
ما هي انعكاسات تشكيل المنطقة الآمنة على إدلب؟ وهل تُرجح وجود صفقة مبادلة بين إدلب وجزء من المنطقة الآمنة؟
“ما زالت الطروحات المعلنة والتسريبات حول ” المنطقة الآمنة ” شرقي الفرات متباينة وتفتقر للوثوقية من الجانبين الأمريكي والتركي، فيما يتعلق بالأرقام والإجراءات ومصير المنطقة الإداري والأمني. غير أن السوريين ينظرون بكثير من القلق على هذا الحجم من الإبهام فيما يُرسم للمنطقة، ومن (التناتش) الدولي الذي يستهدف العشائر العربية، وما يمكن أن يجري في المنطقة من قبل الدول منفردة أو عبر الاتفاقات الثنائية، خاصة وأن هذه المنطقة تشكل جائزة للترضية أو كعكة للاقتسام بين الفاعلين على الأرض، وهذا يشمل الجميع عدا السوريين، يشمل الأمريكي والروسي والإيراني والتركي وربما الإسرائيلي أيضاً، فالصفقات تبقى واردة كل حين في قاموس الدول خاصة عندما يتعلق الأمر بآخرين.”
المصالح توجه أمريكا وإعلانها عن التعاون مع تركيا وإشارتها بشكل غير مباشر لتحقيق مصالح تركيا لا بد أن يكون مقابل مصالح سياسية وعسكرية. ما هذه المصالح والغايات التي تجعل أمريكا تقف مع تركيا وتتخلى عن ذراعها في سورية قسد؟
“أعتقد أنه من المبكر الحديث عن التخلي الأمريكي عن قسد، والحرص الأمريكي على تركيا له موجبات عديدة، خاصة بعد اقتراب تركيا من الجانب الروسي سياسياً وعسكرياً؛ ولأن تركيا بلد مهم ومحوري في قضايا الشرق الأوسط المفتوحة التي تزداد تفاقماً واحتداماً، فهذا يجعلها في موقع الاعتبار الدائم في الإستراتيجية الأمريكية للمنطقة، خاصة أن الروابط بين البلدين عبر حلف الأطلسي مازالت قائمة، ولا يرغب أي من الطرفين بضربها أو إهمالها، ومن الطبيعي أن يُعطي الأمريكيين الدولة التركية والمصالح معها الأولوية على العلاقة المرحلية والوظيفية مع مليشيا لا مستقبل لها على الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.”
ما دلالة تسيير دوريات تركية وروسية في تل رفعت بالإضافة إلى اتفاقات تقضي بسيطرة النظام على أهم معاقل قسد كالرقة؟ هل هذا يعني زوال تنظيم قسد وخضوعه للإرادة الدولية؟
“قسد كيان مليشياوي عصبوي دعمه الأمريكيون لأغراض محددة ومرحلية، وسوء إدارتها للمنطقة يُضيف مادة جديدة لسجلها السلبي ومواقفها وإجراءاتها تجاه السوريين عموماً وأبناء المنطقة من الكرد على وجه الخصوص. وعندما تتواجه مصالح الدول على الخرائط وفي المواقع يكون مصير الأدوات التراجع إلى الخلف تدريجياً باتجاه انتهاء الدور، ويبدو أن قسد، مثل كل المليشيات، ذاهبة بهذا الاتجاه.”
في نهاية الحوار سيد جورج صبرة شكراً لكم لإجابتكم عن الأسئلة التي وجهتها صحيفة حبر.