إنّها قصّة سطو مسلّح، ذات انعكاسات عالميّة، وقصّة بعض الأشخاص أصحاب النيات الحسنة، ممّن حاولوا منع حدوثها. بعد خمس سنوات من خروج أوّل مظاهرة ضد الأسد، في أسواق دمشق بتاريخ 15 آذار/ مارس 2011، تجد الثّورة السوريّة نفسها عالقةً بين فكّي كمّاشة، القوى الموالية للنظام من جهة، والتكفيريين من ”داعش” من جهةٍ أخرى.
نجح هذان التشكيل، المنحدر -في الأصل- من القاعدة، في القيام بخروقات عسكريّة صاعقة، ضدّ مقاتلي الجيش السوري الحر، روّاد الثّورة، وترفرف راية داعش السوداء، في الوقت الحالي، على الجزء الأكبر من شمال البلاد، المحرّر منذ شتاء 2012-2013، والذي حَلُم المعارضون بتحويله إلى مختبر بناء سورية الجديدة.
تُعدّ الأسباب الرئيسة لهذا التحوّل، الذي هزّ كل العالم العربيّ، وشعرت العواصم الأوروبيّة بصدى صدمته، معروفة جيّدًا، وهي: وحشيّة النظام السوري غير المحدودة، والتي زرعت الفوضى الملائمة لنمو المتشدّدين، واللعبة الإشكالّية للجهات المانحة من دول الخليج، التي ساهمت بتطييف الحراك، إضافة إلى انقسام المعارضة التي تضاعفت أخطاؤها.
يجب إضافة عامل رابع إلى العوامل الثلاثة تلك، وهو ازدراء الولايات المتحدة الأميركيّة المعارضين السوريّين، والتي أهملت بشكل متكرّر تحذيراتهم.
مكّنت عدّة أسابيع من البحث في تركيّا، في أوساط معارضي الأسد في المهجر، صحيفة “اللوموند” من جمع الوثائق والشهادات غير المرويّة حول هذا الموضوع.
لقد تمّ كشف حقيقتَين: فمن جهة، أنّ الاستخبارات السريّة الأميركية، وبفضل صلاتها بأكناف الثورة، كانت قد تتّبعت صعود الدولة الإسلاميّة سلّم القوّة، خطوةً بخطوة، منذ أواسط عام 2013، ومن جهةٍ أخرى، فإنّ واشنطن لم تستخدم تلك المعلومات إلّا بشكلٍ شحيح، حتّى بعد بدء الضربات ضدّ الدولة الإسلاميّة في سورية، في أيلول/ سبتمبر عام 2014، والتي شكّلت خيبة أمل للجماعات المسلّحة الوطنّيّة، والإسلاميّة المعتدلة، والتي كانت تأمل الاستفادة منها.
إنّ التحقّق المضاعف من صحّة تلك المعلومات، يستند إلى الاعتراف الحصري لرجل، يُعدّ كبير استخبارات الجيش الحر، والذي قابلته صحيفة “اللوموند” ثلاث مرّات. أرسل هذا الشخص، خلال مدة تقدّر بسنتين تقريبًا، إلى “وكالة الاستخبارات المركزيّة” الأميركية تقاريرَ مشغولة بعناية، ومغذّاة بمعلومات شبكته من المخبرين، كما تحتوي كنزًا من المُعطيات، والكثير من الخرائط والصور، إضافة إلى إحداثيات، مستندة إلى النظام العالمي لتحديد المواقع (جي.بي.إس)، وأرقام هواتف.
يشرح ذلك المصدر قائلًا: «كنّا نبرزُ كلّ شيء للأميركيّين، منذ اللحظة التي كان تعداد “داعش” فيها عشرين عنصرًا إلى اللحظة التي أصبح تعدادها عشرين ألفًا، وعندما كنا نسألهم عمّا سيفعلونه بتلك المعلومات، كانت إجاباتهم مراوِغة، كالقول بأنّ الأمر بين أيدي صانعي القرار»
استطاعت صحيفة “اللوموند” الاطّلاع على العديد من تلك الوثائق، والحصول على بعض منها، وبشكل خاص مواقع مكاتب حواجز التكفيريين في الرقّة، مقرّهم الرئيس في سورية. وفي هذا الصدد، تمكّنت “اللوموند” من الوصول إلى خطّةٍ سريّة، وُضعت صيف عام 2014، بالتشاور مع واشنطن، والتي تنصّ على السماح بطرد الدولة الإسلاميّة من محافظة حلب، لكنّ تنفيذ تلك الخطّة أُجّلَ مرّاتٍ عديدة من قِبل الأميركيين.
سمحت لنا لقاءات مع رَجُلين، يعملان في الظلّ، بالتحقّق من صحّة تلك المستندات، كما سمحت لنا بمقاطعة وإغناء الرواية الأولية، ورُويداً رويداً، رسمت تلك العناصر أبعاد الفرصة الثمينة الضائعة، والتي لو تمّ استغلالها، لكان بإمكان المجتمع الدّولي أن يكون في وضع أكثر ارتياحًا، في مواجهة الدولة الإسلاميّة، ممّا هو عليه اليوم.
«نحن نقلّل من قيمة المعلومات الاستخباراتيّة، التي باستطاعة السوريّين التزويد بها، فيما يخصّ الدولة الإسلاميّة.» كما يؤكّد شارل ليستر، المتخصّص في شؤون الجماعات الجهاديّة السوريّة، والذي كان عرضة -أكثر من مرّة- للنقد اللاذع من قِبل معارضين، أهملت الولايات المتحدة معلوماتهم.
ويُضيف دبلوماسيّ غربيّ، قائلًا: «في نهاية عام 2013، أضعنا فرصتَين: تتمثّل الأولى بالهجوم الكيماويّ على ضاحية دمشق، في 21 آب/ أغسطس 2013، الذي بقي من دون ردّ، الأمر الذي ساعد النظام، بينما تتمثّل الفرصة الثانية في تقوية الطرف الفاعل الذي كان بمقدوره منازعة داعش، وكان الجيش السوريّ الحرّ الأمثل، للعب دور كهذا.»
لنسمِّ مصدرنا بـ «م.» لأسبابٍ أمنيّة؛ فليس من النفع بمكان التجسّس على الدولة الإسلاميّة في سورية اليوم، حيث دفع العديد من المناضلين الثوريّين المنفييّن في تركيا من حياتهم ثمنًا؛ بسبب نضالهم ضد داعش.
بدأت مهمّة «م.» في الاستخبارات في نيسان/ أبريل من عام 2013، عندما التحق بـ “المجلس العسكري الأعلى”، والذي كان وقتها قد تأسّس منذ أربعة أشهر، وكان هذا المجلس يطمح إلى تنسيق العمليّات بين الألوية، والفرق التابعة للجيش السوري الحرّ، وإلى مَركزة المساعدات الماليّة المتدفّقة بطريقةٍ فوضويّة جدًّا.
كما ساهم «م.» في البدء بمهمّة تحرّي الأمم المتّحدة عن استخدام الأسلحة الكيماويّة في سورية، ثمّ شارك -بعدها- في وساطات، تهدف إلى تحرير رهائن أجنبيّة، معتَقلة من قِبل جماعات جهاديّة، ولكنه سرعان ما صبّ اهتمامه على الدولة الإسلاميّة، والتي شاهدها في سراقب، وهي مدينة في محافظة إدلب.
يروي «م.»: «كان مسؤولهم، في ذلك المكان، يُدعى أبو براء الجزائري، وهو بلجيكيّ من أصل جزائريّ، كان يتصرّف بحماقة، و”يدخّن الحشيش باستمرار”، وكان يتحدّث عن إنشاء خلافة، تنتشر كالسرطان، ظنّ كل الناس أنّ كلامه كان مزاحًا، لكنّ مسيرتهُ كانت تثير فضولي؛ حيث كان قد قاتل في العراق وفي أفغانستان. كان يتحدّث اللغات الروسيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة، مع خلفيّة علميّة في الهندسة؛ بالتأكيد لم يكن أحد الهواة. عندما افتتح رجاله محكمة، وبدؤوا بمحاكمة الناس فيها، أدركنا -وقتها- أنّ حماقات أبو براء كانت جدّيّة.»
قرّر «م.»، بالاتّفاق مع قادته، إنشاء ملفات خاصّة بأولئك الدخلاء، تُسمّى الدولة الإسلاميّة الآن “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام”، ويتميّز مقاتلوها، المنحدرون من أصول غير سوريّة، في معظمهم، بعُجالتهم في فرض قوانينهم على الأراضي التي ينتقلون إليها، و يصل أولئك المقاتلون بالمئات شهريًّا إلى الحدود السوريّة-التركيّة، والتي يُعدّ عبورها بالأمر السهل جدًّا.
يقول «م.» بغضب، واصفًا إيّاهم بالخطر المميت على الثورة: «هؤلاء الأجانب جاؤوا لسرقة بلدنا، لسرقة حقوقنا وأرضنا»، بينما يضيف رئيسه محذّرًا بلهجةٍ شبه ساخرة، خلال لقاء أجراه روبرت فورد، السفير الأميركي، مع المعارضة السوريّة في تركيّا: «إذا لم توقفوا هذه الموجة من الإرهابيّين، سيكون لزامًا حتّى على السوريّات إطلاق لحاهم».
أُرسل «م.» للتدرّب في الخارج، وعند عودته، وظّف حوالي ثلاثين رجلًا، يثق بهم، منتشرين في المدن التي كانت تقع تحت سيطرة “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام”؛ في جرابلس ومنبج وتل أبيض والرقّة، وبغرض تمويل شبكته، طلب كبير المُخبرين من الولايات المتّحدة مبلغًا شهريًّا قدره 30.000 دولاراً أميركيًّا (27.000 يورو)، حصل منها على 10.000 دولار. كانت تُعقد اللقاءات مع موظّفيه في الفنادق الفخمة في مدن تركيّا الوسطى، كأضنة وغازي عنتاب وأنقرة.
تسلّل أحد أعلى العملاء شأنًا، في “المجلس العسكري الأعلى”، إلى مكتب الشؤون الماليّة للدولة الإسلاميّة في العراق والشام، والمتمركز في منبج، ليس بمَبعدة عن الحدود التركيّة. يُظهر تقريرٌ، يستند إلى معلوماته، واستطاعت صحيفة “اللوموند” الحصول عليه، تحويلاتٍ ماليّة من رضوان حبيب، عضو مجلس الشعب السوري وعضو في حزب البعث السوري الحاكم، إلى أخيه علي، الأمير في “الدولة الإسلاميّة” في مسكنة، المدينة الصغيرة المطلّة على نهر الفرات، حيثُ تمّ رصد عشر تحويلات بين شهري تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2013، ونيسان/ أبريل من عام 2014، تبلغ قيمة إحداها 14 مليون ليرة سوريّة (حوالي 67.000 ألف يورو). يقول «م.» شارحًا: «في البدء، كان الأمر بمثابة دعمِ رضوان حبيب لأخيه، قائد ثوري بسيط، في مواجهة عشيرة منافسة، ولكنّ النقود استمرّت في التدفّق، حتّى عندما انتقل أخوه إلى داعش.»
في تلك الفترة، بين نهاية عام 2013 وبداية عام 2014، كانت الولايات المتحدة ما تزال بعيدة عن الدخول في حرب مع الدولة الإسلاميّة، كانت تراقب -عن بُعد- الجماعات المسلّحة التي تنمو بسرعة، محاولةً كشف تلك التي تهدّد مصالحها، والأُخرى التي من الممكن التعاون معها.
«دائمًا كان أوباما وفريقه يعارضون استخدام القوّة العسكريّة في سورية، وتسليح الثوار» يذكّر روبرت فورد، والذي تقاعد من عملهِ، كدبلوماسي، في شباط/فبراير عام 2014، والذي يعمل -الآن- كباحث في معهد الشرق الأوسط، ثمّ يضيف: «كان لديهم قلق مضاعف، من جهة، أن تُستخدم الأسلحة المُقدّمة ضد نظام الأسد (كانت الولايات المتّحدة تنظرُ دائمًا إلى نظام الأسد كصاحبِ الشرعيّة القانونيّة السوريّة، على الرغم من إغلاق السفارة الأميركية في دمشق.) ومن جهةٍ أخرى، أن ينتهي المطاف بتلك الأسلحة بين يدي جماعات تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية إرهابية.»
ولوقف الفوضى كما ذكر سابقاً في توزيع الأسلحة وطرق استهلاكها قررت الولايات المتحدة والدول الداعمة للمعارضة السورية ابتداءً من 2013، أن تكون الأمور -كلّها- تمرّ عبر “مركز العمليّات الحربيّة”، والذي يُعدّ بمثابة هيئة تنسيق موجودة في القواعد العسكريّة جنوبي تركيّا، حيثُ تستقرّ -أيضًا- تحت إدارة وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركية، جميع الدول الداعمة للثوّار، كالمملكة العربيّة السعوديّة وقطر وتركيّا؛ وفرنسا والمملكة المتّحدة.
ولدفع الثوّار إلى ابتلاع الطُّعم؛ تَعِدهم الولايات المتّحدة الأميركية بأسلحة مضادّة للدبّابات (صواريخ تاو)، ستزوّدهم بها المملكة العربيّة السعوديّة، بينما سيدرّب -في قطر-خبراء أميركيون جنودَ المدفعيّة على استخدامها.
كان أوّل لواء من الجيش السوريّ الحرّ، يستلم تلك الصواريخ، يُدعى “حركة حزم”، والذي تشكّل مطلع العام، بواسطة بعض المقاتلين القدامى من “كتيبة الفاروق” التي دافعت عن مدينة حمص القديمة. رغبت “حركة حزم”، وبفضل صواريخ التاو، والتي تركت فيديوهات بدايات استخدامها على الانترنت أثرًا عميقًا، في أن تصبح القطب الرئيس للثوار في الشمال، خصوصًا مع توزيعها ل 4000 مقاتل بين محافظات حلب وإدلب وحماه، بميزانيّة شهريّة تبلغ بضع مئات آلاف الدولارات مقدّمة من الولايات المتّحدة الأميركية.
ومع فشل المجلس العسكري الأعلى، بدأ «م.» مرحلة إعادة التأهيل، فخلال صيف 2014، وبينما كانت ميليشيات الدولة الإسلاميّة، المعلنة بواسطة أبي بكر البغداديّ، تنتشر في مدينة الموصل العراقيّة، بدأ العمل على خطّة سريّة، تمهّد لاختلال توازن القوى في شمال سورية؛ تنصّ الخطّة على مهاجمة مواقع “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام” من شمال إلى جنوب محور إعزاز-حلب
لقد تمّ تقدير الأمور كافة، ساعةً بساعة وشارعًا بشارع، من خط سير المهاجمين، إلى خطوط تزويدهم بالعتاد والوقود، أُنجز هذا العمل الدّقيق بواسطة جيش مخبري «م.».
«في كلّ قريةٍ من تلك الخاضعة لداعش، كنّا نعرف كم عدد الرجال المسلّحين، أماكن مكاتبهم ومخابئهم، كذلك حدّدنا أماكن قنّاصيهم وألغامهم، كنّا نعرف أين ينام أميرهم، ولون سيّارته وحتّى نوعها. لقد كنّا مستعدّين تكتيكيًّا واستراتيجيًّا ثم وكانت الصدمة!! تراجعت الولايات المتحدة عن المعركة ضد داعش شمال حلب.».
في حين شكلت “كوباني” حالة طوارئ للبيت الأبيض؛ فحالما دخلت “الدولة الإسلاميّة” تلك البلدة “الكرديّة” المحاذية للحدود التركيّة، منتصف أيلول/ سبتمبر 2014، بدأ السلاح الجوّي الأميركيّ، والذي كان ناشطًا في العراق، بقصف طوابير سيّارات البيك-أب، وخلال فصل الخريف كلّه، قدّم سلاح الطيران الأمريكي دعمًا جويًّا هائلًا لـ “وحدات حماية الشعب”، الذراع العسكري لحركة الإدارة الذاتية الكرديّة؛ ما مهد لانسحاب داعش في كانون الثاني/ يناير 2015، كان الثوار السوريين، الناظرين لـ “وحدات حماية الشعب” بعين الريبة؛ لاتّهامهم إيّاها بالتواطؤ مع النظام السوري، يراقبون تلك المعركة بمشاعر مختلطة.
وبالتوازي مع ذلك، انحسرت خطّة الهجوم ضدّ “الدولة الإسلاميّة”؛ حيث لم يُمنح لها الضوء الأخضر، على الرّغم من عديد الاجتماعات في الفنادق التركيّة. يقول «م.» متحسّرًا: «كان الأميركيّون يتهرّبون من تزويدنا بصورٍ فضائيّة، وكانوا يخبروننا بأنّ طائراتهم لن تساعدنا، في حال بدء الهجوم ضدّ “الدولة الإسلاميّة”. كلّ ما كانوا يعرضونه علينا هو التخلّص من عقبةٍ واحدةٍ أو اثنتين، قبل أن نبدأ بالهجوم.»
يشعر «م.» بالغضب الشديد في تركيا؛ فقد قطع كل جسور الصلة مع موظّفيه، على إثر اجتماعٍ أخير؛ فيقول: «لو كان بمقدورنا الذهاب بعيدًا في خطّتنا، كنّا الآن سنُعدّ الشركاء الحصريّين في الصراع ضدّ الإرهاب، لكن يبدو أنّ أحدًا ما، لم يكن يريد أن نصل لتلك المرتبة»، ولكنّ مستشار مقرّب من “وكالة الاستخبارات المركزيّة” الأميركية يقول مصحّحًا: «لا أؤمن بنظريّات المؤامرة» ثمّ يضيف: «ليس ” أوباما” بالشخص الذي يحبّ التدخّل، والأمر كذلك؛ فهو يرى أنّ على دول الشرق الأوسط أن تدير فوضاها بنفسها، وهمّه الأساسي كان التحدّث مع الجميع، أمّا فيما يخصّ المعارضة، فليس باستطاعتها الشكوى؛ فقد حصلت على الكثير من الأسلحة، لكنّها ارتكبت العديد من الأخطاء.».
دفعت نتائج فشل مشروع “التسليح والتدريب”، في صيف عام 2015، والذي كان منوطًا به تجهيز الثوار ضدّ “الدولة الإسلامية”، تخبّط الأميركيين في هذا الصراع إلى ذروته؛ فما أن دخل المقاتلون، والمختارون بتسرّع من قِبل “البنتاغون”، إلى سورية، حتّى تمّ تجريدهم من أسلحتهم من قِبل مقاتلي “جبهة النصرة”، وبسبب منع مجنّديه من مقاتلة النظام، لم يجد “البنتاغون” أنّه من النافع تقديم أيّ غطاء جوّي لهم.
يكرّر «م.» شعوره بالمرارة في تركيّا، ويرى أنّ أكراد “وحدات حماية الشعب”، والذين يتعاون معهم الأميركان بشكلٍ متزايد، ينتحلون الدور الذي كان يحلم القيام به. لقد كان آخر عمل قام به للأميركيّين هو إعداد تقرير ضخم عن مدينة “الرقّة”، المكان المقدّس لـ”الدولة الإسلاميّة” في سورية، يتضمّن مخطّطات إجماليّة للتنظيم ، من الأمير إلى مسؤولي نقاط التفتيش، كما تضمّن صفحاتٍ كاملة إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي “جي.بي. إس″، يقول «م.» بنبرةٍ لا تخلو من الاحتجاج: «كان ذلك منذ عام ونصف، ولا تزال الرقّة حتّى الآن عاصمةً لداعش».
يبدي شخصٌ سوريٌ آخر غضبه، وهو ضابط سابق منشق عن جهاز المخابرات في نظام الأسد، تحوّل إلى رجل أعمال في المملكة المتّحدة، ويؤدّي دور الوسيط السرّي للجيش السوريّ الحرّ. قابلته صحيفة “اللوموند”، في تشرين الثاني/ نوفمبر في أحد فنادق “غازي عنتاب”، بناءً على طلبه للحديث عن تدمر
كانت مدينة تدمر الأثريّة، والغنيّة عن التعريف، قد وقعت قبل عدّة أشهر، في حزيران/ يونيو، بأيدي ميليشيا “الدولة الإسلاميّة”، على إثر هجمة خاطفة فاجأت العالم بأجمعه، لكنّ هذا الشخص أكّد لنا أنّه قد تمّ إخطار الأميركيين بتلك الهجمة، حيث قال: «كنت في مدينة اسكندرون، اتّصل بي رجالي من مدينة السخنة ]وهي مدينة تبعد 70 كيلو مترًا شرق تدمر[؛ ليخبروني أنّ سيارات جيب، تابعة لـ “الدولة الإسلاميّة،” تتقدّم باتّجاه تدمر، قمت بإخطار “وكالة الاستخبارات المركزية”، و”البنتاغون”، لكنّ الجواب الوحيد الذي حصلت عليه، كان بأنّهم قد رأوا -أيضًا- انطلاق مواكب السيّارات، لكنّ طيّاريهم قد رصدوا أطفالًا في إحدى الشاحنات. حسنًا، لكن ماذا عن باقي العربات؟».
كما لا يملك المحلّل، “شارل ليستر”، أي إجابة، ويقول: «تشكّك المعارضة، ومنذ وقتٍ طويل، بأهداف الولايات المتّحدة في سورية، ويبدو أنّ انعدام الثقة موجودٌ -أيضًا- لدى الطرف الآخر، ولكن لا يمكن لتنظيم “الدولة الإسلاميّة” أن يُهزَم، بدون مساعدة السوريّين على الأرض، وبصياغةٍ أخرى، من دون مساعدة المعارضة المتكوّنة في معظمها من سنّة وعرب.»
المصدر : صحيفة اللوموند – بتصرف